آخر تحديث: 2 / 5 / 2024م - 12:45 م

لا تكن مجرّد حزمة انتقادات

زكريا الحاجي

يُخطئ البعض في ممارسة مفهوم النّقد الدّيني، عندما يتحوّل إلى مجرّد حزمة انتقادات، بعيداً عن ممارسة المشتركات مع الطرف الآخر، بالاضافة إلى أخطاء أخرى: في الاسلوب، والتوقيت.. وغيرهما.

القضايا الدّينيّة بطبيعتها حسّاسة بالنّسبة لمعتنقيها، وفي مثل الأجواء المتخمة بالجدل الكلامي، تحتاج الأطراف الأخرى أن تستشعر الثّقة في النّاقد، ليكون نافذاً في نفوسهم، لا سيما وأنّ طبيعة الإنسان يستوحش من كثرة النّقد بغضّ النّظر عن مدى صوابيّة مضمونه.

وما يُعقد المشهد أن كثيراً من النّتاج التخصّصي عادة لا يتفاعل معه الجمهور - غير المتخصّص - عندما يُعرض عليهم بمنطلقاته العلميّة الجافة، مجرّداً من التطعيم العاطفي، وكل ذلك يعزّز ضرورة وجود عوامل أخرى لتسويق المنتج العلمي.

تتحوّل ثقافة النّقد إلى نمط سلبي ليس بالضّرورة لمضمونها، بل لخروجها عن روح النّقد وفقدانها غرض الإصلاح الدّيني، وهو الجوهر الذي يُضفي القيمة الحقيقيّة على النّقد، وليس من الصّعب التمييز بين الإصلاح الحقيقي، وشعار الإصلاح الزّائف، الذي يستغلّه البعض لتبرير مشاغباته.

مفهوم الإصلاح الدّيني من المفاهيم السّامية التي يجب الحفاظ عليها، وعدم استغلالها في حرب الفئويّات والأحزاب، تتشدّق به أطراف لتمارس فتنتها.

الأسواء من ذلك: هو التبرير للفوضى التي يخلّفها هذا السّلوك المتطرّف، باعتبار أنّ الحركات الإصلاحيّة تحتاج إلى عصف مجتمعي، وثورة ضد الثّقافة السّائدة. وهنا لا أقصد رفض مطلق الثّورة الإصلاحيّة، فهي خيار أخير تقدّره القيادات الحكيمة، في قضايا كبرى تحمل قيمة عُليا، وعندما تريد أن تتصوّر مقدار تلك القيمة، قارنها مع قيمة وحدة الصّف المجتمعي، عندها تُدرك أنّ مثل تلك الثّورات لا تأتي إلا نادراً جداً، لا سيما في مثل مجتمعاتنا المتديّنة، فلا يمكن قبول الفوضى في اختلافات جزئيّة، يتم تضخيمها لاضفاء عليها قيمة غير واقعيّة، لتبرير ما تُخلّفه من آثار سلبيّة على المجتمع.

النّاقد الحصيف في الخطابات العامّة، هو الذي ينطلق من المشتركات، ويعيش الولاء والمحبّة الصّادقة مع الجمهور، ويكون النّقد استطراديّاً وليس محور البحث، وهي نقطة جديرة بالوقف عليها.

ما نشاهده اليوم على السّاحة من بعض حركات مدّعيّ الإصلاح، ليس إلا نشاطاً فئويّاً، تغلب عليها لغة الخصومة الواضحة، والمواجهة الاستفزازيّة المنفّرة، شعاراتها فارغة وفاقدة لجوهر الإصلاح، وهو حفظ المودّة والأواصر المجتمعيّة.

لعلّه أبرز ملمح في مدّعي الإصلاح: التغافل عن الايجابيّات الكثيرة التي يقدّمها الطرف الآخر، وترقّب الزّلة، أو أيّ مادّة يمكن استغلالها وتوظيفها في ملفات النّقد بدعوى الإصلاح، في المقابل التغافل عن الأخطاء العديدة التي يرتكبها بعض رموز فئته، والتي لو صدرت من الطرف المقابل، لأصبحت مادّة دسمة للتشنيع.

من الضّروري أن يمتلك المُصلح الحكمة الكافية التي يحافظ معها على ثقة الجمهور، لا يعني ذلك بأنّه لن يواجه أطرافاً شديدة التحسّس، إلا أنّ المنهج المتوازن والحكيم كفيل بأن يتجواز تلك العقبات.