آخر تحديث: 28 / 4 / 2024م - 10:41 م

في الناس إبدال وفي الترك راحة

سوزان آل حمود *

الابتعاد ليس دائماً هروب.. وليس ضعف.. بل كثيراً يكون استغناء.. قوة.. تهذيب للروح..

ليس من السهل على أحد كيفما كان نوعه وطبيعته أن يعيش بعيدا عن الناس، أن يختار العزلة طواعية ويعيشها بروتينها ولونها الرمادي القاتم الذي يميل إلى الأسود كلما برد الجو واكفهرت السماء وصارت الشوارع والأزقة المحيطة خالية إلا من قطط شاردة تبحث عن ملجأ يقيها قهر الشهور التي لا ترحم.

أبتعد لترى بوضوح..

أحياناً القرب الشديد لا يمكنا من رؤية الصوره كاملة..

نرى فقط الجزء الذي أحببنا أن نراه.. أبتعد عن الشخص الذي تعشقه.. أنظر إليه من بعيد..

هل هو نفس الشخص؟..!

هل يستحق كل هذا الحب؟..!

هل تأثر بابتعادك؟..!

في البعد إجابات عده لكثير من الأسئلة.. ابتعد عن مكان لتختبر ارتباطك به.. هل تستطع العيش بعيداً عنه..!

هل تفتقد تفاصيله.. ووجودك فيه..!

أم هو تعود وخوف من التغير..!

ستكتشف في البعد أحاسيس جديدة.

السؤال هنا: كيف يمكن للإنسان أن يحدد تلك النقطة الوسط التي يضمن فيها توازنه، فيعاشر الناس تارة ويعتزلهم تارة أخرى؟ وكيف يختار وقت عزلته وموعد غطسه مرة أخرى في مجتمع فيه الصالح وفيه الطالح، فيه المفيد وفيه المزعج؟

لازلت اتذكر فيلم أيامنا الحلوة ورد الفنان «أحمد رمزي على عمر الشريف لما سأله ”أنت ليه ماجيت تصالحني زي كل مرة؟ قاله“ حسيت إني مش فارق معاك فما حبيت أفرض نفسي عليك وقررت بيني وبين نفسي إني أقطع علاقتي فيك رغم إن ذا كان صعب بس إحساسي بأني شخص غير مرغوب فيه كان أصعب بكثير»

من أقوال الإمام علي : يأتي على النَّاس زمانٌ تكون العافية فيه على عشرة أجزاء، تسعةٌ منها في اعتزال الناس، والعاشرة في الصمت.

وأهل الاختصاص يؤكدون اليوم على العزلة كما أكدها الإمام ، ذلك لمن أراد العافية والتحصين من هذا الوباء القاتل، وزماننا زمان فتن وأوبئة فمن كان معتزلًا سلم من كل بلاء ووباء، قال أبي جعفر : كان أمير المؤمنين يقول: «يأتي على الناس زمان فيه أحسنهم حالا من كان جالساً في بيته.

والتغاضي من شيم الكرام، وفي القرآن: ﴿فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم.

ولعل بقاء هذه الأوبئة وطول البلاء سببه قلة الدعاء، لذا لا بد من الرجوع إلى الله بالدعاء، فمن أُلهم الدعاء ضمن الإجابة وهو قوله تعالى: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ غافر «60»

أضواء المدينة تحجب عنا رؤية النجوم ليلا لكن ظلام الصحراء يهدينا أجمل المناظر الطبيعية، فتظهر لنا السماء سوداء متلألئة وكأنها بساط مخملي مرصع بأغلى وأندر الدرر. نجوم عمرها ملايين السنين تسر الناظرين وتأسرهم وتبث في ثناياهم الكثير من الإعجاب والتساؤلات اللامتناهية. وكأن العزلة هنا هي تلك الصحراء المترامية الأطراف التي تحتضنك في كنفها دون أن تدري وتمسح عن بصرك كل تلك الأشياء التي كانت تحجب عنه الرؤية. أما عمن يجب أن نعتزل من الناس أو بالأحرى نتجنب بذكاء لكيلا نترك الأثر السيء في نفسيتهم ولا ننفرهم منا مستقبلا نظرا لأن الإنسان قابل للتغيير في كل لحظة.

ويقول الشافعي

فما كل من تهواه يهواكَ قلبُه.. ولا كل من صافيته لك قد صفا

إذا لم يكن صفو الوداد طبيعةً.. فلا خيرَ في ودٍ يجئُ تكلٌفا

ولا خيرَ في خِلٍ يخون خليله.. ويلقاهُ من بعدِ المودة بالجفا

ويُنكِرُ عيشاً قد تقادم عهدهُ.. ويُظهِرُ سراً كان بالأمس قد خفا

سلامٌ على الدنيا إذا لم يكن بها.. صديقٌ صدوقٌ صادقُ الوعدِ مُنصِفا

ختاماً..

إن أحسست أنك تريد مراجعة نفسك واعادة حسباتك فابتعد عن الناس.. أقترب من الله.. من نفسك..

وقتها ستجد شخصاً جديداً، روحاً مطمئنة..

فمن يقدر على الابتعاد.. يهزم أي صعب.