آخر تحديث: 29 / 4 / 2024م - 1:36 م

لِكُلِّ امرِئٍ مِن دَهرِهِ ما تَعَوَّدا

ليلى الزاهر *

هي تقول: كنتُ خائفة وأنا أقود مركبتي في الضباب.

هو يقول: لا بأس بشيء من المجازفة، هو وقت مهدور في الإثارة والمغامرة.

هي تقول: كعادتك عندما تعتق أرواحنا من ضجيج الحياة وصخبها وتنقلنا إلى واحة من الاطمئنان نستنشق أريج الرياحين وشذا البساتين.

عادة ياسر أصبحت نمطًا متكررًا لأنه بفعلها تكوّنت له شخصية مُحفّزة على الإقدام وطاردة لكل وجوه النمطية البائسة.

لقد اعتاد ياسر على تشجيع زوجته في كل عمل تُقْدم عليه، ينزع من قلبها الخوف ويزرع جميع أنواع الأمل في طريقها، يشجع أولاده على خوض كل جديد ومفيد.

سمعته ذات يوم يقول: إذا أردت أن تعمل شيئًا مفيدا اجعله عادة يومية تقوم بها وإذا أردت أن تقترب من مواطن الخطر اجعل لك عادة يومية تقوم بها أيضا فعاداتنا التي نقوم بها «إمّا أن تكون خادمًا مثاليّا أو سيدًا رديئا».

كلمات ياسر لها جذور قوية استمدت قوتها من إصراره على تكوين صورة المُحفّز لأسرته، مثل ذلك الفنان الذي يُنشد كلمات اعتاد الناس على سماعها من صوته العذب الرقراق.

فعندما يعتاد أحدهم على النهوض مبكرًا كلّ يوم، ليمارس رياضته ويذهب لعمله فهو يربي شخصا غير قابل للانكسار لأنه اعتاد أمرا جيدا ولم ينقطع عن ممارسته.

وإذا اعتاد آخر أن يقف في طابور صباحي كي يشتري قهوته فهو قد أهدر وقته وماله فكانت له عادة قد تكون سيئة كما نراها أو كما يراها مستقبلًا.

يقول الشاعر:

لِكُلِّ امرِئٍ مِن دَهرِهِ ما تَعَوَّدا
وَعادَاتُ سَيفِ الدَولَةِ الطَعنُ في العِدا

ولأن هناك عادات نقوم بها باستمرار وبشكل يوميّ فقد ساعدت على تكوين شخصياتنا من حيث لانقصد، وكشفت شيئا من بواطننا فأصبحنا عراة بمنظور الآخرين بما ندعي ماليس فينا.

ومما لا شك فيه فأننا ننشئ عاداتنا ونكونها في بدايتها لكنها تكوّن فكرنا وأجسادنا فيما بعد فعادة الاستيقاظ المبكر نصنعها بإصرارنا على عدم السهر فنحصّن أجسادنا من الكثير من الأمراض.

ولا شيء أسهل من موت العادة وفنائها في مهدها إذا تنبهنا لخطرها وما أصعبها عندما نحاول التّخلص منها.

فإذا صادفت مدخنًا في بداية شبابه حاول أن تقنعه بترك هذه العادة السيئة فهي في بدايتها سريعة الزوال مثل خيوط العنكبوت التي سرعان ما تدحرها الرياح الخفيفة.

أما إذا جرفته هذه العادة نحو إدمان التدخين فسوف ينتهي الأمر به إلى تقييده بحلقات فولاذية يصعب التّخلص منها وقد يصل به الأمر إلى العلاج في إحدى العيادات النفسية للتخلص من هذه العادة المضرّة بالجسد.

ولعلنا نستنزف جهدا في إقناع أبنائنا في ترك بعض العادات السيئة ونتساءل:

إلى أين يأخذنا السهر ليلا؟!

متى نتوقف عن ترك التدخين بأشكاله المختلفة؟

وهل يصعب علينا ترك الروايات الكاذبة؟

ربما كان تعبنا الأكبر في التّخلص من عادات نرى أبناءنا يتوارثونها منا دون أن نشعر بذلك، ثم يرددون:

﴿وَجَدْنَا آَبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ سورة الشعراء «74»