آخر تحديث: 27 / 4 / 2024م - 7:26 م

زوايا أسرية ”20“

محمد الخياط *

حطت به الطائرة في مطار لندن هيثرو «London Heathrow» حين كان متوجهاً إلى ولاية Boston بوسطن في الولايات المتحدة الامريكية، وأثناء الانتظار الذي استمر أكثر من خمس ساعات كان يتصفح ايميلاً قديماً لم يعد يستخدمه، فوجئ برسالة متكررة من شخصية لسيدة مجهولة لم تكتب اسمها ولا بلدها ولغتها تبدو عليها من دول الجوار، مسلمة متعلمة وتجيد فن الكتابة، مفاداة تلك الرسالة المجهولة فيها من العتاب الشديد بدأت بعبارة تقول فيها..

إن كنت يا دكتور... متصدياً لخدمة المجتمع وتعمل في هذه الجمعية بالقيم الأخلاقية التي سمعتها عنك، لماذا لا تجيب على رسائلي التي كتبتها لك من سبعة أشهر؟ وهذا الرسالة الخامسة فهل تجيب؟ يقول تصفحت بعدها الرسائل السابقة وبالفعل لم أقرأها ولم أجب عليها ولعلى المبرر الذي لا يعفيني عن التقصير في ذلك اهمالي لهذه الرسائل بوجود ايميل خاص بالجهة التي أعمل فيها سابقاً، بعدها مباشرة قررت أكتب لها عبارة مختصره تحتوي على اعتذار مؤرخة بنهاية الألفية الثانية من شهر اكتوبر وفي ذات الوقت أطرح سؤالاً... ورجاءً بقبول تقديم الخدمة مجاناً وإن كانت تقبل في الاستشارة، والسؤال.. هل لا زال الأمر يحتاج استشارة نفسية سلوكية اجتماعية زوجية؟ إن كانت الاجابة بنعم فأنا أشكر ثقتكم بي، وأعود بعد أيام من حضور مؤتمر علم النفس الإكلينيكي خاص بالأطفال في ولاية بوسطن وعليه تم إرسال ايميل وقبل إقلاع الطائرة بساعة وصلتني رسالة شعرت قبل أن تنظرها عيني بخفقان في القلب وتأنيب للضمير، كان محتوى الإيميل قصير جداً فحواه.. أن بصمتك هي عنوان سيُأطر مسيرة مَن أصبح قلبها وفكرها معطوباً لكثرة هول الصدمة التي لن أتمكن من شرحها ثانية، لذلك أملي أن ترجع إلى ما سطرته لك من السابق... ففيه ما لا يحتمل، ورأي غير صائب وقد يكون هناك من ساهم في افساد حياة طفلتي أنا... نحن... هم... انقطع الحديث،،،

ثم تقول السيدة... دكتور أنت ممن وصف لي بإمكانياتك وأخلاقياتك وثقة المجتمع بك كان هو الحافز والخيار للتواصل معك، نعم هناك من العائلة وحكمائها سبق وتدخل، لكني أشعر أن الجميع لم يكن ذو أهلية، لذلك وصل الحال إلى مستوى مزعج للجميع وبين مفترق طرق، أأمل منك الرجوع إلى الايميلات ففيها من الشروح وتطور أحداثها خلال الشهور السابقة ما يفي برؤية أوليه لحين رجوعك من السفر نتواصل في عيادتك مع ابنتي وزوجها...

فلم أصدق نفسي وشعرت بالفخر هناك من هو ينتظرني ولن أخذل أحداً بعد اليوم، وهذا من أقسى الدروس التي تعلمتها في حياتي، لذلك كانت المبادرة والمباشرة في العلاج بعد رجوعي مباشرة الذي استمر مع الزوجين ما لا يقل عن عشر جلسات، ومع الزوج استمر مدة عام كل شهر جلسة دون أن أتقاضى أي مبلغاً من المال..!!

صيغت هذه الدراما للعبرة، وكأن التاريخ طوى الأيام بعد خمسة عشر عاماً تُكتب هذه المشكلة وتقسم إلى رسالتين...

الرسالة الأولى: بلسان حال الأم تحت عنوان ”قلب أم ٍدامي“ تحكي مآسي حالة ابنتها وزوجها...

الرسالة الثانية: تتحدث عن انكسار جدار الصمت لحياة المرأة في حقبة زمنية سابقة إلى نهاية الألفية الثانية

رسالة قلب أم دامي

آه آه... بكاء ونحيب يحرق قلب أم ٍدامي، يخونها التعبير والوصف أحياناً لشدة هول ما سمعت وما مرت به ابنتها في الشهر الثاني من الزواج، فأصبحت تقلب الأمور يمنةً ويسرى، لمن تشكوا ولمن تلجأ؟ وابنتها رافضةً الاستمرار لوجود مظاهر وسلوكيات بدت على زوجها من الأيام الأولى تُوحي بوجود تشتت في الذهن وانحراف في مجموعة من السلوكيات الخادشه للحياء كذباً وخداعاً وعنفاً والإصرار بقوته الجسدية على طلب العلاقة الخاصة في غير موضعها المحلل والطبيعي منذ الساعة الأولى للزواج... ومشاهدة الأفلام الإباحية!! فصُدمت ابنتي بهذا السلوك فمنعت نفسها عن التمكيين نهائياً مم أحال حياتها إلى عنفٍ ونفورٍ وطلب الانفصال... وبدأت تتواصل مع أخته فصُدمت مرةً أخرى بأمرين...

1/ علمت أنه كان خاطباً مدة سنة وفُسخت الخطوبة ولم يخبرها أحداً بذلك من قبل... ولذات السبب الذي تعيشه حالياً...

2/ سبب انهاء العلاقة السابقة رفضها الاستمرار، لأنه كان يتعالج لوجود صدمة نفسية سابقة عند موت والدته وأخيه الأكبر منه وهو في سن صغير...

هذا الخبر نزل على ابنتي كصاعقة، فعصفت بها الأيام وانهارت ووهنت القوة وهي في حالة ذهول وتأرجح بين الاستمرار والعيش معه بصمت وخوف وقبول حالته المرضية التي تحتاج إلى صبر وحكمة في التعامل والرعاية والمتابعة مع الطبيب والأخصائي النفسي للعلاج، هذا الأمر ليس في مقدور ابنتي القيام به لحداثة سنها وقلت خبرتها في الحياة فقد سيطر عليها الخوف من لسان الناس أن يُشمت بها لعدم وجود اجابة على تساؤلاتهم، لماذا تركت أو تركها بعد أقل من شهرين لزواجهما؟ وقد تتهم في شرفها وعفتها وينعكس ذلك عليها وعلى عائلتها...!!

أمها... ليس حكماً

هناك من وقفوا عند رأي وحدوده ليحكموا على قبح الفعل، مغفلين عدم مقدرتي على صياغة وتشخيص ملابسات وحدود وصنوف المدركات وما يتصوره العقل من وقائع تتجاوز مقدرة الانسان الطبيعي في التحمل، بعيداً عن المتخيلات والأوهام والمثالية في تصوير الواقعية والمتناقضات والسعي لنقل الحقائق والمشاهدات الملموسة التي أصبحت تئن منها ابنتي، فاقدةٌ الصبر ورافضةٌ الاستمرار للمسماة بالحياة الزوجية لوجود مرضٌ نفسي، وليس هناك سعياً جاداً منه ومن العائلة لاستئصال الداء الذي تصفه ابنتي بالوباء والشر القابع، لكثرة الجُنح والظُلم لاسيما مرضه وزواجه السابق الذي أخفاه مع عائلته ولم يخبر به أحداً.

نعم ظُلمت بقبولها الزواج منه وهي في السادسة عشر من عمرها، لم تدرك طبيعة الحياة ولم يزودها أحدهم بسلوكه وزاد من ألمها عدم العلاج والتشهير الذي وصلت له ورفض العائلة والمحيطين طلبها بالانفصال وتنمر بعض أفراد العائلة والمجتمع ضد المرأة قامعاً اياها بأنها قاصرة الفكر تُقيدها أهواؤها، تبحث عن المثالية حتى أصبحت تشعر بالضياع والخوف وعدم السكون النفسي... وهناك مَن مارس نثر الملح على الجرح ووضع لها عنوان «مطلقة الشهرين» وستلحقها العيبة حتى أصبحت تسير على غير هدى من أمرها وجرحُها النفسي أكثر إيلاماً.

الاختطاف

بين الترهيب والترغيب الذي مارسه والدها وعائلة زوجها والمحيطين بها ولبراءتها وخوفها وقلة علمها وخبرتها وحداثة سنها، أُختطفت براءة الطفولة منها واقناعها بالاستمرار في الزواج من شخص يكبرها بعشر سنوات وهو مريض في جميع أبعاد شخصية النفسية والجسدية والاجتماعية، ومتحرراً من كل الالتزامات الأخلاقية التي كشفت عن بعض جوانبها أخته وابنتي، ولم أرى مبرراً لاستمرار ابنتي في هذا الزواج، لكن سكرت الحياة والقصور المالي والفكري والمعرفة القانونية وتسلط وغضب الزوج من تدخلي المباشر معه ومع أهله في استمرار العلاج...، لم تسلم ابنتي من العناد والتنمر والعنف ورفضه للعلاج أو الانفصال حتى تتطاول الجميع على ابنتي وانهال عليها بالضرب دون أن تتمكن من تحريك ساكنا لعدم امكانياتها الجسدية وضعف المساند والداعم لها مسقطة من حسابتها الأمنيات والآمال التي حدت من تحررها واختيارها لحياة كريمة... حتى وَصفت نفسها بكلام جارح «بالبهيمة التي تزوجت ووضعت في حضيرة لتسمن وتخدم وتُنكح وتُنجب...!؟» حتى أخد منها اليأس مأخذه ومرت الشهور والسنون وهي مسلوبة الإرادة دون أن يقاسمها في المعاناة إلا مَن لا حيلة لها فقط أمها... تُصيبُ وتُخطئ في تقدير الأمور، وعند حديثها له يزجُرها ويطردها وفي بعض الأحيان يشتمها ويرشقها بألفاظ نابية، مم جعلها تدخل معه في جدال وتهدده بالشكوى، ولن تقف مكتوفة الأيدي بعد اليوم، فجُن وطردهما وكانت هي الفرصة الحقيقية للخلاص لكن لم يتحقق حلمها ولا أمنية ابنتها...

طويت الأيام

كمن وجد ضالته.. اعتبرت أن خروجها من المنزل مع أمها هو مخرجها وحجتها للهروب من نفسها ومنه، فلن تتردد في طلب الطلاق فقد فشلت كل المحا ولات المنطقية والعقلية معه، فلا حكمة ولا صبر ولا حوار كان لهما دور في تفادي المشاكل وحلول الأزمة النفسية معه.

تدخل مَن لا علم لهم

من سنن الباري عز وجل الارتقاء بالإنسان عبر العلم والمعرفة ضمن نواميس وأسباب يُسيرها الإنسان إلى نفسه بالوصول للمنعة والقوة والمعرفة والعزة والكرامة، وعكس ذلك هو الجهل والدجل والخرافة والوقوع في المشاكل لعدم تقدير الأمور ووضعها في موازينها لقول أمير الشعراء أحمد شوقي وما ينسب له من شعر..

العلم يرفع بيتاً لا عماد له *** والجهل يهدم بيت العز والشرف

وقال الامام علي ": ما أخذ الله على أهل الجهل أن يتعلموا حتى أخذ على أهل العلم أن يعلموا [1] 

كثير ما ينبري من المصلحين لاسيما من العائلة أو المقربين وأحيانا من رجال الدين في التصدي لا صلاح ذات البين وهم في ذلك يرجون ثواباً من الباري عز وجل لقوله تعالى ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا[2] 

وقال تعالى في مدح المتصديين لإصلاح ذات البين: ﴿لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا َنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ۚ َمَنْ يَفْعَلْ ذَٰلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا[3] 

نحن لن نشكك في نوايا الآخرين وتدخلهم للملمة الموضوع بين الزوجين وعودة الزوجة إلى بيتها، ولتفادي الصراع المستمر المستقبلي مع توضيح بعض الحدود والتي من أهمها استمرار الزوج في العلاج واقناع المرأة بتمكينه من نفسها مع بعض العبارات الإيجابية، وكما أشرنا في ضعف المساند ولجهلها وصغر سنها عادة الزوجة مع كثير من الخوف والبكاء والألم النفسي حينها شعرت أنها كقطعة من الخشب في بحر تُسيرها الأمواج دون أن يكون لها الخيار في الرفض أو القبول وهي ترى نفسها وحيدة في هذا الصراع حتى المقربين من أهلها يصرون بجهلهم إلى رجوعها معتبرين أن الأمر لحداثة سنها هي تتصور أموراً وتضخمها في النقل موجهين لها سهامهم بالدرجة الأولى وإلى أمها بقولهم.. هي من أفسدت حياتهم لتدخلها، والجميع لم يتساءل عن حقيقة المعاناة وأصل الموضوع ليس خلافاً شخصياً أو عادياً، بل هو مرض نفسي يخضع له الزوج فترة ويتجاهله فترة فينعكس على حياتهما سلبا وليس بلسم لجرحٍ ناتج عن خدوش يتم معالجته وليس لصوت مرتفع أو تقصير في خدمة من أحدهما للآخر... إلا أنها عادت بعد الضغوط وتهميش صوتها وظلم أبيها وتهديده بالانفصال وبطلاق أمها إن تدخلت في حياة ابنتها مرة أخرى، صدمت البنت بهذا الموقف والقرار الظالم والمجحف بحق أمها فعادة ادراجها إلى بيت تغيب فيها الكلمة الطيبة ومشاعر الدفء الذي تطمح له كل أنثى حين تُزف إلى بيت زوجها، عصرتها الأيام ومرت الشهور وحيدة في حالة من الذبول والصراع النفسي لم يقف أو يُقيد بمستوى.. بل أفقدها الكثير من الصبر والحكمة وأصبحت تعاني من حالة نمو عكسي من السلبيات وزيادة سوء السلوك والاتهام المبطن والوصف الناقص... بأنك امرأة ناقصة عقل ولم تدركين أنك أصبحت في مملكتي وليس لك من سبيل غير السكوت والقبول بما أنت عليه....

انتهت رسالة الام وهي تئن وتبحث عن حل لمن تراها في حلكة من الظلام والظلم فهل من سبيل لذلك؟ والسنون تمضي وهي في حالة ذهول حتى قاطعة الناس خجلاً وخشيةً من السؤال وعدم التمكن من الاجابة....

*ماهي تصوراتك للدراما التي مررت بها...؟

*هل تصرفات الام وابنتها ايجابية...؟

*هل تشعر أن الزوج ووالدها ظالمين...؟ وهل موقف والدتها وأهلها سلبي...؟

*هل المصلحين لهم دور حقيقي على أرض الواقع...؟

*هل أنت ممن يدعو الرجوع إلى جهات ذات الاختصاص النفسي والاجتماعي في مثل هذه الحالات...؟

بعد سنوات قالت في رسالة أخرى مختصرة لم أعد حطاما يسير على الأرض ولا ذو ابتسامة زائفة ولا أعبئ بالذين يتجنون ويفترون علي، ولربما يتناقلون من توافه ما دامت حياتي تسير وأنا واقفة على قدمي ولي عقل ومنطق مستقلةً بنفسي فلن أقبل ألسن الأفاعي السامة لتتمكن مني، ولن أجعلها تنتشي لثقتي بنفسي وبشرفي الشخصي وقدرتي.

نعم ساهم الدكتور في ايقاف حالة الجزع وأرسى قواعد ومهارات التعامل مع الزوج بالحوار والاعتدال والثقة بالنفس بعد أن شخص حالته، ولكن لن أرجع بعبارات وثمناً بخساً دون أن يكون هناك شعور بالأمان النفسي والجسدي والقناعة بما يقول ويفعل عن نفسه والعهود والمواثيق أن يصلح حاله بالرجوع والاستمرار بالعلاج النفسي واغلاق كل الدوائر التي يتحدث فيها عن حياتنا الخاصة وفسح المجال في تدخلي مع الدكتور خلال مرحلة العلاج، ولن تعود حياتي الطبيعية معه حتى أشعر بالطمأنينة دون التدليس والخداع أو التوقف عن العلاج والاستسلام للهزيمة، بل الطباع قابلة للتغيير دون اليأس والعقبات التي تكون عثرات في الطريق هذا ما وصلت له مع الدكتور دون الدخول في تفاصيل الجلسات العلاجية سواء الدوائية أو السلوكية النفسية...

** فهل لكم رأياً آخر قبل رسالتنا الثانية وهي تحكي كسر جدار الصمت عند المرأة في حقبة زمنية مرت على المجتمعات الإسلامية والعربية؟

جدار الصمت

في سنتها الثالثة عاد بها شريط الذكريات وهي تحاوره في تغيير بعض السلوكيات التي بذت تُسيئ لهما مرة أخرى، رافضاً التدخل في حياته واضعاً الحواجز والخطوط بكل ألوانها، حينها تذكرت ما كان قبل اتمام الزواج وسنتان ما بعده من تباين واختلاف في وجهات النظر... كاسرة جدار الصمت واضعةً علامة الاستفهام والتعجب بسؤالها، هل أحدثكم عن طباعه غير قابلة للتغيير وعيوبه الكبيرة وبعضها من الصعب أن تغتفر أو تجد لها مبرراً بالكلام، والأصعب من ذلك الطلب الملح من قبل العائلتين بالاستمرار دون ادراك صعوبة التأقلم لمستقبل مجهول والخوف من انجاب المزيد من الأبناء مما يجعل الترابط أكثر قلقاً وخوفاً وعبارات التحلي بالصبر والتعامل الحسن ومرور الزمن سرعان ما ستلمسين التحول في حياتكما وتألفين العشرة متناسيةً الطباع غير السوية من احتقاره واستصغاره ورؤيته لطبيعة المرأة إنها مملوكة وليس لها رأيا لا قبل ولا بعد رأيه، والغيرة الزائدة أرغمتها على اعادة التفكير والعودة إلى الطبيب واستشارته عن الأفعال الخادشه للحياة واصرارها على طلب الطلاق...

نعم أدرك مقدر استنكارك وسؤالك، هل في هذا العصر من الشباب المتعلم يحمل هذا الفكر...؟ الاجابة حين يكون لك اهتمام في معرفة القضايا المجتمعية لاسيما الزوجية والاضطرابات النفسية والتربوية ومن خلال ما يكتب في الصحف وما يصدر من نسب الطلاق عن وزارات العدل ومراكز الاحصاء وهيئة حقوق الإنسان ومركز الأمان الأسري والمراكز الخاصة والجمعيات الأسرية وغيرها تعلم مقدار السلوكيات غير المنضبطة عند بعض الأزواج....

ذاكرة الماضي الحاضر

العيون شاحبه والشفاه ذابلة، وصوت خفقان القلب يخرج من بين الضلوع لصور وأساليب مورست إلى وقت قريب ضد الأنثى كي تُمسخ شخصيتها وهويتها وإنها شريك حقيقي في عالم تسلط فيه الذكر ضدها ووضعها في ايطار وقالب كرّسه بعض خطباء المنبر والوضع الاجتماعي بالعنف والتنمر والامتثال الأعمى لطاعة الزوج مضخماً الجانب التسلطي باسم الشارع المقدس بين حلال وحرام وعادات وتقاليد وبأساليب القوة والمكانة والفكر الذي حضي به الرجل، تم غسل عقول الكثير من الرجال والنساء حتى أصبح جزءاً من المجتمع يحرم على المرأة التعليم والسفر والخروج بمفردها والعمل في كثير من المهن، وإلى وقت قريب جداً كان البعض من الشباب المقبلين على الزواج يرفض أن تكون زوجته ممن تمتهن العمل المختلط مع الرجال علماً قد يكون في عائلته مَن هم في هذا البُعد المهني وفي منصب عالٍ.

تُوقفنا هذه الصورة بين مفارقة ما يقتبس من لسان النساء وما هو المتغير في نمو فكرهن حاملين الآمال بين الواقع والعقل والمنطق متطلعين إلى غدٍ أفضل ممن وضع صور مؤلمة في نسق حياتهن اليومية مسطرينها للتاريخ

أثواب ملونة من الخداع

كبلوها بعادات وتقاليد... وقالوا لا تدرك أبعاد الحياة

كبلوها وقالوا غير مؤهلة وفقيرة الفكر والانتاج المعرفي

كبلوها وهم يطلبون منها العلم والعطاء وتربية الأبناء

كبلوها وقالوا عنها خلقت من ضلع أعوج

كبلوها وأقنعوها أنها من بيت أبيها إلى زوجها إلى قبرها

كبلوها وقالوا هي من أخرجت آدم من الجنة

كبلوها وللزوج أن يسرقها ويصب جام غضبه عليها ومن العيب أن تشتكيه

كبلوها وقالوا لها أنت وعاءً لزوجك وله الحق ان يطلبك في الفراش أي وقت دون أن يكون لك الحق في عدم القبول

كبلوها وأقنعوها أنت وما تملكين لزوجك

كبلوها وقالوا أنت مسخً... اسمك عورة وصوتك عورة وجهك عورة خروجك عورة عملك عورة ملبسك عورة وباسم أنت جوهرة ليس لك الحق فيما تملكين، أنت ناقصة عقل ودين.

تختزل الكلمات والأحداث والزمن دون أن تخوض في أجواء الخطاب الثقيل على النفس الذي لعب دوراً ووزراً غير منطقي، يكشف التاريخ عن ضحاياه الّذين يقتاتون على الموروث الذكوري الاسطوري القصصي وآفاق التأويل لترميز وتمييز الرجل على المرأة دون التمحيص والبحث معتقدين أن ذلك سيدوم غير مدركين حركة الحياة ونمو الفكر البشري ووجود قوانين وتطلعات والمستوى العلمي الذي نما في العالم يلقي بضلاله على كل البشرية ومن يقف لن يتمكن من ركوب السفينة وسيغرق مع الطوفان، وهذا لا يعنى الدعوة للتخلي عن المبادئ والقيم والاخلاق السامية كالصدق والعفة والشرف والاحترام والعطاء والتسامح والايثار وعمل الخير والتضحية والمساوة والعدالة ودم كل ما يدعو للرذيلة والابتذال الذي يجافى الفضائل وينادي بحاكمية الشرع والعقل والمنطق والواقع وتفعيل دور العلماء في البحث والاجتهاد عن مخارج فقهية تخدم البشرية، وليس الاستقواء والظلم بثقافة خاطئة موروثة بين أفراد المجتمع تدعو لتميز الرجل بالذكورية التي كرّسها في تربعه على مدى زمن طويل فانعكس ذلك على كل ما هو علاقة تكاملية وجودية بين الرجل والمرأة حتى تدمرت الكثير من العلاقات الانسانية والأسرية والزوجية.

لا... للخرس

تُحظى بفرصة الكلام فتصب جام غضبها على من كبلها واستخف بعقلها وأوصلها إلى مرحلة الخَرس ألّا إرادي، واصفاً المرأة دون وعي ولا أخلاق ولا ضمير بأنها شرٌ مطلق، ووعاءً للرجل وناقصة عقل ودين، ومنبت للفتنة والجهل، والمفارقة العجيبة في ذلك يقول في ذات الوقت هي مُكرمة ولها الحق كما الرجل، والمُقر من قبل المشرع الذي ينطق باسم الدين، هذه السطحية في التعامل كثيراً ما تظهر في بنية النصوص والخطب الدينية فيتلقفها الشارع العام فتتكون في بنيته العميقة لصور متعددة مستنكراً جميع الفضائل والمثل على المرأة الصدق والطهر والوفاء والحياء وكأن الشارع المقدس أتى بها إلى الرجل فقط، وهذا خلاف الحقيقة الإلهية وخلاف ما يوصمون به المرأة في قولهم أن أغلب من هم في النار النساء، وفي أفضل الأحوال توصف بأنها للنكاح في الدنيا والآخرة مستدلين بسؤال.. روي عن الفضيل عن ابي عبدالله قال: قلت له شيء يقوله الناس: إن أكثر أهل النار يوم القيامة النساء " قال وأنى ذلك!؟ وقد يتزوج الرجل في الآخرة ألفا من نساء الدنيا في قصر من درة واحدة. [4] 

وفي صحيح البخار ومسلم يرون وينسبون إلى الرسول محمد ﷺ أن النساء هن أهل النار، فعن عمران بن حصين عن النبي ﷺ قال «اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء» [5] 

أيُّ حقيقة يدعون ويروجون لها خلاف العقل والآيات والكرامة الإنسانية، ألحكم الجاهلية يطلبون؟!

الذي لا زال عند البعض يأخذ بهذه المقولة وغيرها بل هي متلازمة ولم ترتفع عن تفكيرهم، ولعلي أقولها بصراحة: إن الرسول ﷺ وابي عبدالله الصادق براء من هذا القول، إنما نسبت هذه الأقوال عبر أحاديث لمن اشتعلت قلوبهم بالحقد عبر الزمن على النساء وتسلط الفقه الذكوري بامتياز والسبب والغاية أن المرأة عليها أن تخضع للقرار الرجل وخروجها لا يكون إلا في أمرين.. بيت زوجها وإلى قبرها.

هذا المسلك حُرم كثيراً من النساء فتحولن إلى جاريات وفي أحسن الأحوال حاضنات إلى الأبناء وعاملات عند الأزواج، هذا الفعل الذي استمر إلى زمن طويل أوله البعض في مسيرة حياته الزوجية إلى ممارسة هذا التقليد تحت عنوان الرجل بحارس العقيدة والقوامة والذي لازال الصراع مستمر بين التوجهات والاجتهادات الفقهية في أحقية المرأة أن تعيش كما الرجل على وجه هذه البسيطة أو الاستمرار في تكبيلها تحت عناوين مختلفة وإن كانت تختلف حدة هذا الأمر من بلد إلى بلد ومن منطقة إلى أخرى وكذلك حسب المستوى الفكري والعلمي عند الأسر، ومع ذلك الأمر كله مرتبط بشكل كبير بإدارة ولي الأمر الرجل «اب، اخ،...» هو من يقيد مستوى ويمنح الصلاحية ويضع المبررات بقوله:

  • لوضعها الفيزيائي والفيزيولوجي
  • خروجها للعمل بخلاف الفطرة السوية
  • الاختلاط في العمل مع الرجل «حرام»
  • التشبه والتقليد الأعمى للغرب
  • الاستقواء بالمال
  • ضعف ادراكها العقلي
  • عاطفية يخاف عليها ومنها
  • قاصرة عقل ودين
  • عدم قدرتها على حماية نفسها

وعند الحوادث المسلكية التربوية نتساءل بخطب رنانة وقصائد وآيات وأحاديث أين دور المرآة في تربية النشىء؟ وأين حكمة الجنة تحت أقدام الأمهات في ظل التحديات المعاصرة؟ متناسين نحن مَن وضعها في ظلمات طيلة القرون السابقة

حرمانها من حقها الطبيعي في العيش بكرامة متساوية مع حقوق الرجل في كلما شُرع للرجل من حقوق على مستوى الشارع المقدس مع التنويه نحن هنا لا نطلب التشابه والمساوة الهوجاء إنما نؤكد على مبدأ العدالة وكسر طابو المعوقات التي مرت بها المجتمعات الاسلامية والعربية وبعضها في الديانات الأخرى على مر العصور

قال الباري ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ[6]  وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِير[7] 

وقال تعالى ﴿إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا[8] 

فالمساواة ننشدها بين الذكر والأنثى أمر ومبدأ للعدل الإلهي وعنوان التمييز هو التقوى ولا شيء أكثر من ذلك، وحين يتحدث الباري عن الستر والعفاف وغض البصر والجزاء والعطاء فالخطاب يكون موجهٌ إلى الذكر والأنثى على حد سواء وإن كنا نبحث آية القوامة لقوله ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ[9] 

إن الاستقواء والاستدلال بهذه الآية على أن هناك تمييز بين بين الذكر والأنثى هو ليس واقعياً إنما التفضيل إداري وليس الحكم عليها وتقييدها، بل هي قوامة تدبير وحفظ ورعاية، والاستدلال بأن الرجال خير من هن لسبب أن النبوة مختصة بالرجال هذا كلام عارا عن الصحة للقياس، فهناك ممن ذكرهن الباري من النساء بالثناء والمدح والتبجيل والقوة وموضوع النفقة هي واجبة على الرجل وليس فيها فضلاً، وموضوع آية الإرث هي من النقاط التي لازالت في دائرة الاهمال البحثي وأصبحت من المسلمات قال الله جلاوعلا: ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ[10] 

والبعض يستنكر عليك بتطبيق ذلك المبدأ على نفسك في الإرث، نعم هو أمر لا يزال يُعمل به حسب المفهوم السائد شرعاً ومستهجناً عند البعض عقلاً، وكثير من الخلافات العائلية خلافهم على الإرث، وهو موضوع دخول الأجنبي أي زوج البنت أو الأخت، وهناك مَن له في هذا العصر رؤية أخرى نراها أقرب للواقع في تحليل وتفسير آية التساوي بين الأبناء ويمكن معرفة التفاصيل الرجوع إلى رأي المرحوم الدكتور محمد شحرور في برنامج «النبأ العظيم» مع الاعلامي يحي الأمير... وإن تم التسليم بذلك الأمر في توزيع الإرث.

هذا لا ينفي حقوق المرأة في الكرامة ولها دور في هذه الحياة وجميعنا يستشهد بدور أمهات المومنيين وبفاطمة وزينب وأمهات الأئمة في عصرهن وخروجهن في القتال، وإلا لماذا يخرج الامام الحسين بأهل بيته والرسول في حروبه مع المشركين ويستشهد القرآن بدور مريم وآسية وبلقيس وزليخة وامرأة العزيز وحواء وسارة وهاجر وام موسى وغيرهن ممن لهن دور في صناعة التاريخ، وان كان الأمر في هذا العصر غير متحقق بنسبة كبيرة والسبب يعود إلى أن المرأة أصبحت شريكاً وداعماً أساسياً في مصروفات البيت وادارته، والبعض هي الأصل في المصروف للأوضاع الاقتصادية القاهرة وعدم امكانية كثير من طبقة الشباب الحالي القيام بالتكاليف المالية والادارية بمفرده

والرد في هذا البُعد لا يُشخص الوضع على منطقة أو بلد بعينه نحن نكتب لمن تصلهم هذه الحروف وللتاريخ الذي أصبح في كثير من الأوقات هو نقمة لفعل بعض البشر المعتقدين أنهم ينطقون عن الباري في علوه ومن لم يعي هذا البعد إلى هذا الوقت فليتخذ سبيلاً لقراءة المستقبل وإلا سيبقى في أفقه الضيق.

نعم هذه الدراما غير مكتملة الأبعاد الفنية والتحليلية كما ينبغي لها، لانفصال صاحبة القريحة عن زوجها وعدم التواصل مع الدكتور.

كتبها الدكتور ليحكي مرحلة أو تجربة للتاريخ.

اختر أنت البداية والنهاية وأجب..

لفهم منشأ الخلاف الزوجي ومضامين وشواهد تاريخية لتلك الأحداث

*هل كان من الصحيح طمس حقيقة ما يعاني منه الزوج؟

* هل ممكن تفادي المشاكل في عدم تدخل والدة الزوجة وغير المختصين؟

*ما هي الطرق السليمة للتعامل مع المشاعر السلبية؟

1/......................2/...............3/....................4/................... الخ

في نهاية المطاف نؤكد أن الاهتمام بالصحة النفسية واستشارة المختصين لا يقل عن الاهتمام بالصحة الجسدية، وتبقى سلوكياتنا ومسيرة حياتنا هي نتاج لقراراتنا وإن كانت بعضها خارج عن ارادتنا، فهل نبحث عن مفتاحها بالاعتدال والتوازن والعمل على التوافق العقلي والانفعالي والجسدي وتعزيز شعور الثقة بالنفس واكتشاف القدرات وامتلاك المرونة والتسامح والتكيف ما لا يحط من كرامة الإنسان؟

وللحكاية بداية أخرى معكم....

 

[1]  شرح نهج البلاغ ابن ابي الحديد ج 20 صفحة 247
[2] [3] سورة النساء 35 - - 114
[4]  من لا يحضره الفقيه الشيخ الصدوق ج3ص 468 حديث 4627
[5]  البخاري 3241 ومسلم
[6]  سورة البقرة آية 228
[7]  سورة النحل آية 21
[8]  سورة الأحزاب آية 35
[9]  سورة النساء آية 34
[10]  سورة النساء آية11
كاتب سعودي ومدرب في شؤون الأسرة