آخر تحديث: 28 / 4 / 2024م - 10:41 م

رثاء امرأة نادرة

سوزان آل حمود *

لأولِّ مرةٍ أجدُ قلمي جافا حافا، أشحذ مدادَه، وأستجدي خطاه ليحاولَ وصفَ شخصية نادرة «منى آل خليفة» أتهيَّبُ فكرةَ الحديثِ عنها؛ كوني لن أوفيها حقها، وهاهو يقارب الثلاثة أسابيع على رحيلها وكأنها اليوم فارقتنا. كل الأيام تنسى تفاصيلها إلا يوم وداعها كل تفاصيله لن أنساها ماحييت…

ولا زال قلمي مذهولاً يصعب عليه أن يكتب مشاعري وأحاسيسي!

احيانا كثيرة، لا يجد الانسان الكلمات التي يستطيع ان يعبر بها عما يدور داخله من مشاعر، وعما يشتعل في صدره من احاسيس وتفاعلات، وفي مثل هذه الحالة، يكتفي الانسان بأن يخرج كل مشاعر الحزن والاسى عبر دموع صامتة، أو من خلال استرجاع شريط الذكريات القريبة والبعيدة، وفي كل الأحوال يبقى الدعاء والتضرع إلى الله أن يتغمد برحمته الفقيدة هو الملاذ والمخرج الوحيد من حالة الحزن والأسى.

بكل هذه المشاعر استقبلت الخبر المفجع برحيل الأخت العزيزة ورفيقة الطفولة إثر المرض المفاجئ لترحل عن دنيانا تاركة لنا طيب عملها وحسن سيرتها، ونقاء سريرتها، واجمل ذكريات الطفولة والصداقة والاخوة.

رحلت الاخت العزيزة، ليرحل معها رمز الاخلاص والوفاء والولاء لاهل البيت صلوات الله عليهم وعزاؤنا أنها تركت تلميذات الحسينية المهدية يسيرون على دربها وينهجون مدرستها الولائية بالصدق والموضوعية.

فاجعتنا كبيرة يا ام هادي، يا صاحبة القلب الكبير لا نعرف لكِ عدواً أبداً، كل الناس اجتمعت على محبتكِ، يشهد بذلك جموع المصلين الغفيرة والمعزين والمشيعين.

إن كانت شهادتنا بك ِ مجروحة فها هي جموع المصلين والمشيعين والمعزين والبعيدين والقريبين تشهد لك بالخير والبركة.. ألوفهم المؤلفة تُنبئ عن مكانتك.. وتحكي قصة حياتك، وما زلنا نسمع من قصص القريبين والبعيدين والغرباء معك ما يُضاف لما نعرفه عنك ويزيد إعجابنا بك ويُشعل أيضاً ولَهَنا لقُبلاتٍ نطبعها على جبينك.

أصابك البلاء وحاولتِ التحديَ والصبر على المرض لتصمدي - احتساباً للأجر عند الله -، ولكن الله يبتليك ِ ليرفع درجتك ويغفر خطيئتك ِ - إن شاء الله -، حتى سلَّمتَ روحكِ لبارئها ففارقتها راضيةً مرضية …

نعلم بأننا لا نموت بفقدان موت من نحب ولكننا ننكسر كسراً موجعاً، وكم هو مؤلم كسر الروح، وها أنا أعزي نفسي المكلومة وأسرة آل حمود

وآل خليفة والصيود، ولا يفوتني أن أعزي كل الأحباب والأصحاب والأنساب والأقرباء الذين يعرفونك عن قرب وكثب.

أتمثّل فيكِ قول الشاعر:

لو كنت تُفدى بالنفوس عن الردى
لفدتك أنفسنا وما نتأخر

لكنَّ تلك طريقة مسلوكة
وسجية مكتوبة لا تقهر

يا زاهداً عرف الحياة فما هوى
في المغريات ولا سباه المظهر

نم في جنان الخلد - إن شاء الله - يا ذا التقى وانعم بظل وارف لا يحسر

لم اشهد امرأة بحكمة والتزام وقيادة أم هادي، كانت الفقيدة: - عصامية مكافحة، عفة اللسان. - متواضعة. - طيبة القلب. - محبة للخير. ذات حياء جم ومحيا باسم، مواكبة لثقافة زمانها، تحترم عقول الناس وفئات المجتمع، فلا تهزأ بأحد منهم، ولا تستهين به، أياً ما كان حال دخولها وإياه في حوار أو نقاش ونقد. امتلكت المستوى العلمي والمعرفي لذا كانت محبوبة بين أقاربها وعارفيها، بل كانت قدوة صالحة لهم، إذ كانت مكانتها بينهم متميزة، لكن فقدها بالموت - الذي غيبها - قد أحدث فراغا كبيرا عندنا جميعا. اختارها الله بعيداً عنا رحلت مبكراً، رحم الله فقيدتنا، ورزق كلّ من عرفها وأحبّها جميلَ الصبر والسلوان.

أسأل الله أن يجمعنا بها في جنة الفردوس، وإنّا لله وإنّا إليه راجعون.