آخر تحديث: 28 / 4 / 2024م - 10:41 م

دع عنك ما لا يعنيك

محمد يوسف آل مال الله *

يُحكى ذات يوم بأنّ هارون الرشيد اجتمع بوزرائه يستشيرهم في بعض شؤون الدولة، فطرح عليهم السؤال التالي:

ماذا تحتاج الدولة من تخصصات وكوادر إنسانية؟

أطرق الوزراء برؤوسهم إلى الأرض دون أن ينطقوا ببنت شفة، خوفًا من أن تكون إجاباتهم غير مقبولة لديه لكنّه حملق فيهم وسألهم مرة ثانية، فلم يكن أمامهم إلاّ أن يدلو كلٌ بدلوه.

قال الأول: إنّ الدولة بحاجة إلى مهندسين، وقال آخر إنّ الدولة بحاجة إلى بنّائين وقال ثالث إنّ الدولة بحاجة إلى نجّارين، وهكذا، ظل كل وزير يقترح تخصصًا إلى أن وقف وزير وقال: يا أمير المؤمنين، كلّ ما أدلى به الوزراء ليس له معنى إن لم تكن سلامة وصحة الرعيّة على رؤوسها ولذلك أرى أنّ أكثر ما تحتاج إليه الدولة هم الأطباء.

بدأ الوزراء يتهامسون فيما بينهم حتى رفع هارون الرشيد يده، فصمت الجميع. حينها قال هارون: يبدو أنّك لا تعيش بيننا، فأكثر ما في الدولة هم الأطباء ولسنا بحاجة إلى المزيد منهم.

تعجّب الوزراء، فسأل الوزير: كيف ذلك يا أمير المؤمنين والعديد من الرعية يمرضون ويموت بسبب عدم وجود الأطباء الاختصاصيين؟

ردّ عليه هارون بابتسامة صفراء: يبدو أنّك لم تصدّق! أيّها الوزير.. كل ما عليك أن تفعل هو أن تشكو حال صحتك في مجلس ما، لتجد الجميع يدلو بدلوه يصف لك الدواء المناسب، وكما يقال في الأمثال الشعبية: ”اربط صبعك، والكل ينعت لك دواء“.

هذا هو حالنا اليوم ونحن نعيش هذه الجائحة. تجد الكل أصبح طبيبًا يصف لك دواءً أو يُخيفك من لقاحٍ متناسين تلك الجهود التي تبذلها حكومتنا الرشيدة ممثلة في وزارة الصحة. الكل يعمل على قدم وساق لتوفير سبل الراحة ووأد هذا الفايروس معرّضين أنفسهم وحياتهم للخطر من أجل سلامة المواطنين والمقيمين.

هناك ثلة من الناس وعلى مختلف المستويات الثقافية والعلمية يرون أنفسهم المنقذين للبشرية من هذه الجائحة فيملؤون صفحات برامج التواصل الاجتماعي بالمخاوف التي ليس لها علاقة بالموضوع البتة.

هناك من يحذّر من أخذ اللقاحات وآخر يرى أنّها مؤامرة ضد المسلمين وأنّ اللقاحات تسبب العقم لهم وثالث يراه سُمًّا ليقتلنا. ترهات وخرافات وخزعبلات آمنوا بها فاستيقنتها أنفسهم.

عندما نطالب بأن ندع التخصص للمختص، فهو أعلم به وأجدر أن يعمل بمقتضى العلم الذي يحمله وهذا ليس مقصورًا على علم دون غيره، بل لكل العلوم قاطبة.

دعوا ذوي الاختصاص يتحدثون وساندوهم بتقديم الدعم لهم، لا أن تتقلدوا مناصب ليست من اختصاصاكم؛ هذا يفتي وذاك يشرّع وآخر يتحدّث فيما لا يعنيه، فأرواح الناس ليست رخيصة ولا في أيديكم. لقد روي عن رسول الله ﷺ أنّه قال: ”… وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ عَلَى وُجُوهِهِمْ - أَوْ قَالَ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ - إلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ؟!“

فالحذر كل الحذر من كلمة تخرج من فيك فتدخلك في ما لا يُحمد عقباه فتكون من الخاسرين.

إنّ كل ما يصدر عن وزارة الصحة من توجيهات وإرشادات وتعليمات فهو من خلال الدراسة والتمحيص من قبل اختصاصيين؛ على علم ودراية بما يقومون به، فلا تكن نقمة على أهلك وذويك ومجتمعك بكلمة لست أهلًا لها، فالعاقبة للمتقين.