آخر تحديث: 18 / 5 / 2024م - 1:23 ص

بركة وعظمة وجود الإمام الجواد

الإمام محمد الجواد كبقية الأئمة في امتيازهم بالفضائل وقابليتهم للفيوضات الإلهية الخاصة والتي أهلتهم لتسنم مقام الولاية والإمامة وقيادة الأمة نحو تكاملها ورشادها، قد حملوا لواء التبليغ وإخراج الناس من ظلمات الجهل والغفلة بعد انتهاء خط النبوة بجدهم سيد المرسلين ﷺ، وسيرتهم الغراء ناضحة بمعاني ومضامين الدين والأخلاق الرفيعة بما نال تقدير وتعظيم الناس حتى المناوئين لهم، فمسألة إنكار فضائلهم دونها خرط القتاد كما يقال لأنهم كالشمس في رابعة النهار يشع ضياؤهم على العباد، وإن كانت الظروف الصعبة التي عاشها الإمام الجواد قد أضاعت علينا فرصة الاطلاع الواسع على ما يحمله من علم وفكر نير ومواقف عظيمة تصدح في فضاء الفضيلة والحضارة الإنسانية، ولكن في ما وصلنا من شذرات من فضائله ما يكفي للتعرف بنحو جزئي على هذه الشخصية العظيمة.

لقد استلم الإمام الجواد مهام الإمامة وهو طفل صغير في مقتبل العمر، وكان هذا من دواعي السرور والتشفي عند مبغضيه وفرصة لا تعوض بالنسبة لهم، إذ كان توهمهم أن هذا الطفل الصغير لا يمكنه أن يحسن شيئا من العلم والأدب مهما كان نبوغه وذكاؤه، وها قد جاءت الفرصة للانتقاص من شأنه - حاشاه - وممن يعتقد بإمامته، إذ يكفي توجيه بعض الأسئلة الصعبة له لينكشف واقعه كما يزعمون وبذلك يقضون عقائديا على وجوده المبارك ودوره الرسالي، ولكن الله تعالى متم نوره ومبطل كيد الكائدين فانقلب السحر على الساحر وأتت النتائج بما لا يشتهيه المخادعون، فتلك الشبهة العقائدية ليست بالجديدة وقد تعرض لها القرآن المريم في مسألة النبوة حينما تحدث عن نبي الله يحيى بقوله تعالى: ﴿يَا يَحْيَىٰ خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ ۖ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا﴿مريم الآية 12، وكذلك كلام نبي الله عيسى في المهد: ﴿قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا﴿مريم الآية 30، فعامل العمر وتطاول الأيام لا يعني للأنبياء شيئا فمذ أن يولدوا يهبهم الله تعالى فيوضاته ومنها الجانب العلمي بالنحو اللدني لا الاكتسابي، فطول العمر لا يعني اكتسابهم المعارف والنمو الفكري عندهم بل هم بذلك الكمال من كل نواحيه منذ ولادتهم، وكذلك بالنسبة للأئمة هم على أعلى درجات المعرفة والأخلاق بما يؤهلهم لقيادة الأمة نحو التكامل الروحي والفكري والقيمي، وهذه سيرة الإمام الجواد الذي استلم مهام الإمامة الفعلية بعد أبيه الإمام الرضا وهو في سن السابعة شاهد على ما يمتلكه الأئمة من علم لدني وكمال منذ إشراق وجودهم في الحياة، فكان صاحب المنطق الحكيم وجوابه فصل الخطاب فما سئل عن مسألة إلا وكان جوابه حاضرا، فبث من علوم أهل البيت ما أنار العقول وهذب النفوس وهذه كلماته النيرة شاهد على أفضليته، كما أن المسائل الكثيرة والمتنوعة في مختلف الأبواب الفقهية والعقائدية والقرآنية التي طرحت على الإمام الجواد لاقت أجوبة شافية منه دالة على ما يحمله من علم لدني مسدد به من رب العباد، وقد أشاد بمستواه العلمي الفائق الذي لا يضاهى ولا يحار في جواب المسائل الفقهاء والعلماء بمختلف مذاهبهم.

كما أنه في عصر الإمام الجواد انتشرت الأفكار العقائدية الهدامة والشبهات الضالة لضعاف النفوس، فكان الإمام الكهف الحصين والمنيع في وجه تلك الشبهات والمنير لعقول الناس والهادي لها، سواء كانت تلك الشبهات على مستوى التوحيد وتجسيم الذات الإلهية أو سوء الفهم وقصره عن استيعاب معاني الآيات القرآنية، لقد وقف الإمام الجواد بكل اقتدار وثبات أمام موجات الانحراف الجارفة فأبان الحقائق والمفاهيم بما يستند على كتاب الله تعالى، فظهر للناس سعة معارفه وأنه لا يوجد من هو أعلم منه مع وجود الفقهاء والعلماء بكثرة في زمانه، ولقد كانت كلمات الإمام وأجوبته على المسائل والمناظرات التي خاضها مع العلماء من كل الملل والنحل مصدر قناعة عند الناس بشخصيته العظيمة وإحاطته الشاملة بأصعب المسائل وأدقها، وقد أدى هذا الوهج العلمي عند الإمام إلى تكوين القناعات بشخصيته وإمامته واستحقاقه دون غيره في ذلك الزمان لمقام الإمامة والولاية وأداء رسالة التبليغ والهداية.