آخر تحديث: 5 / 5 / 2024م - 9:51 م

لمن تتوق نفسه للرَّسائلِ الورقيَّة!

هل من أحدٍ يذكر كيف كان طعم وحلاوة الرَّسائل والمراسلات الورقيَّة؟ أي نعم، الآن الرَّسائل الإلكترونيَّة أسرع فماذا عن الأحاسيس والمشاعر وانتقاءِ الكلمات بعناية وتأنّ؟ لابدَّ أن فيكم من كتبَ رسالةً ورقيَّة واحدة أو أكثر لخطيبته، أو لزوجته أو لصديقٍ مسافر! اختفت كلُّ أدواتِ االمراسلات الورقيَّة، فلا أحد يبحث عن أوراقٍ مطرزة الحواف، ومظاريف في زرقةِ السَّماء وطوابع بريد عليها صور أشخاص ومعالم مدن، كل شيءٍ اختفى، أو لم نعد نهتمّ به!

كانت رسائل الحبّ والودّ فيها ما فيها من جميلِ الكلمات، لا قصّ ولا لزق من أحاسيسِ أشخاصٍ آخرين، فيها من الخصوصيَّة ما يكفي لتكون ذكرى للعمرِ كله، وليس رسائل الثَّواني التي تشبه رسائلَ رجالِ المالِ والأعمال. في هذه الآونة نتواصل بين أحبابنا بسرعةِ البرق على مدارِ اليوم والليلة، ثم تأتي الرسائلُ خفيفةً في المحتوى، بينما كانت قديمًا تكتب وترسل بعناية وتاخذ أيامًا أو أسابيع لتصل حيث هي مرسلة.

أتدرونَ أين المشكلة الآن؟ المشكلة هي كل سريعًا، اشرب سريعًا، أجمع المالَ على عجل، حبّ وأكره على عجل، تزوَّج على عجل ثم طلِّق على عجل، صل لربك على عجل، فلا وقت لتذوق شيء في الحياة سوى البهرجة والسرعة. صحيحٌ أننا ننجز أعمالنا أسرع وبكفاءةٍ أعلى، لكن فقدنا النشوةَ القويَّة والبهجةَ التي تأتي لحظةَ الإنجاز.

رسالتي إليك اليوم عزيزي القارئ: تذوق الحياةَ واجعل من بعضِ المراسلات ذكرى جميلة لمن بعدك، وإليك هذه الحكاية النَّفيسة عن امرأةٍ بريطانية بقيت تُواصل إرسالَ بطاقات عيد الميلاد إلى زوجها من القبر رغمَ وفاتها منذ سنوات:

حصلت الطبيبةُ جرانجر على شهادة MBE نظير خدماتها في هيئة الخدماتِ الصحيَّة الوطنية وتحسين الرعاية في إنكلترا، وفي آب عام 2011م تم تشخيص إصابتها بورمٍ خبيث سرطانيّ من النوعِ النادر. في البداية تلقت د. جرانجر العلاج الكيميائي، إلا أنها قررت التوقف عن العلاج في عام 2012م حتى تتمكن من القيام بعملها المهم في مجالِ الرعاية الصحيَّة.

بعد معركتها المأساوية مع السَّرطان، توفيت الطبيبة في 23 تموز 2016م. وقبل وفاتها، قامت بكتابة مجموعة كبيرة من بطاقاتِ عيد الميلاد الرَّائعة الموجهة إلى زوجها، مع كتابة التَّاريخ المحدد الذي ينبغي له فتح كل منها وقراءتها. وبمناسبة عيد ميلاده الأربعين شعر زوجها بسعادةٍ غامرة بعدما قرأ رسالتها، التي جاء فيها: ”إلى عزيزي…. وصلتَ الآن إلى الأربعين من عمرك، هل سقط كلُّ شعرك؟“، وأضافت: ”أحبك كثيرًا وسأظل أحبك“. ومن المقرر أن يستقبل الزوج كريس بوينت رسائلَ عيدِ الميلاد من طرف زوجته كاتي إلى أن يبلغ الخامسةَ والستين سنةً من عمره.

مستشار أعلى هندسة بترول