آخر تحديث: 16 / 5 / 2024م - 11:31 ص

الفارس المجهول الذي ظلّ غريبًا بين طوفان الحياة!

فضيلة علي آل درويش

منذ سنوات وهو يكتب مقالاته بيده، ويشرب قهوته على عادته، وهو منغمس دائمًا في قراءة كتبه ومنشوراته التي أحبها كثيرًا، لكي ينوّر بها بصيرته، ويسلك فيها دربه، ويصنع له جوًا يلاطف مشاعره ويسكّن فؤاده وما تبقى من عمره، لكي يحافظ على صحته وسلامة عقله، ويتناسى ما تعرّض له في ماضيه، ويرى الكتاب في حياته خير صاحب وقرين، وأفضل رفيق لا يخون ولا يغدر بصاحبه ولا يماكر ولا ينافر، وهو الجليس الذي لا ينافق دائمًا ولا يعاتب إذا جفوته ولا يفشي سرك أبدًا.

يقول أبو الطيب المتنبي:

أعزُّ مكان في الدُّنى سرجٌ سابح *** وخيرُ جليسٍ في الأنامِ كتابُ

وقال شاعر آخر:

نعم الأنيس إذا خلوت كتاب ُ *** تلهو به إن خانك الأحبابُ

لا مفشيًا سرًا إذا استودعته *** وتفاد منه حكمةٌ وصوابُ

مواقف كثيرة تصادفك كل يوم، وتكتشف فيها مع مرور الأيام أسرار عظيمة وحكم ملهمة، تظهر عندما تُظلم الحياة من حولك، لتكون هادية ومرشدة وأنيسة ومؤنسة، تؤنس وحدة الغريب المجهول قدره بين الناس، وتقوّي من معنوياته وينضج عقله أكثر فأكثر.. ذلك الفارس المجهول الذي يظل دائمًا غريبًا بين طوفان الحياة وقسوتها، رغم أنه يسمع دائمًا من حوله ضحكات البشر المصطنعة، ويرى الوجوه المقنعة المزيّفة، زمن تغيّر وتبدّل لم يكن ذلك الزّمان عندما كان صغيرًا يلهو ويلعب بكل براءته، وصفاء قلبه الحنون كبياض أسنانه اللامعة.

تعلّم كثيرًا من جده الأكبر وعمّه العطوف «رحمة الله تعالى عليهما»، فنون الحياة ومرارتها وتقلب أحوالها وتصنع أهلها ونكرانها للمعروف وتبدّل معدنها.

تصوّر.. كم إنسان صفعته الحياة، ليصبح بهذه الخبرةِ وبُعد النظر.. لكلِّ شيء كان ظاهره سوءاً وباطنه خيراً ودرساً ولو تجلّى ذلك بعد حين.. هكذا هي الحياة.

تذكّر دائمًا أيها الإنسان: فليس المهم ألّا تتألم ولكن المهم من الألم ما تتعلّم، المهم أن تجعل الألم محطةً وسكة للوصول للأمل وتحقيق الأماني.

ومن هنا تقول: شكراً لمن أراد أن يضعفني يوماً فدفعني للأمام دهراً.. شكراً لمن خذلني وأوجعني فمنحني درساً فقوّاني.. دمتم سالمين.