آخر تحديث: 28 / 4 / 2024م - 12:27 ص

وأد القيم

محمد العلي * مجلة اليمامة

هذا ما ستقوله عفويا، حين تقرأ كتاب «خرافة الميتافيزيقا» لعلم من أعلامنا، في رأسه فلسفة. إنه الدكتور زكي نجيب محمود، مع التقدير العميق لجهره برأيه وإن كان صادما. نحن نعرف أن القيم يتغير سلمها من زمن إلى آخر، ومن مجتمع ومجتمع، ويتغير مفهوم بعضها، ولكن أن نصغي بصبر إلى من يقول: «العبارات التي تتحدث عن هاتين القيمتين الخير والجمال عبارات فارغة من المعنى؛ لأنهما ليستا مدركتين بالحواس... قيمة الخير وقيمة الجمال مجرد شعور ذاتي عند الإنسان عن الشيء، وليست بكائنة فيه ص 106»

ثم يقول في صفحة أخرى: «هناك المذهب الذي يجعل «القيم» موضوعية، ونحاول الإقناع بأن القيم ذاتية» هكذا، ببرودة لامبالية، تكون اللغة التي تعبر عن عواطف الإنسان وأخلاقه ونبله وإبائه.. لغة فارغة؛ لأنه لا يستطيع أحد أن يشير إلى هذه القيم كما يشير إلى شيء تراه العين كالحجارة وسلة المهملات.

سلب المعنى أو إسقاطه من كل ما لا يشار إليه في الوجود الخارجي، حتى لو كانت تأثيراته ملء السمع والبصر.. هو اعتداء فظ على الإنسان، ومحوُ للفرق بينه وبين الحيوان، فالحب  مثلا  لا معنى له؛ لأنك لا تستطيع أن تراه واقفا على الرصيف ينتظر المحبيّن.

قرأت في أحد المواقع تحليلا لعبارة «أشعار نزار قباني رائعة» على مذهب ديفيد هيوم يقول بعد رفضه للعبارة؛ لأنها «لا تعبر عن شيء، فكلمة رائعة هي أمر لا يمكن اختباره، ولا يمكن تحقيق اتفاق حولها. سوف يقرأ ألف رجل أشعار نزار قباني، ولن يتفق أي منهم مع الآخر حول درجة روعة أشعاره..» إننا نقرأ بقناعة: أن من أجمل السمات الجمالية للنص الأدبي ألا يكون مغلقا لا يجني منه القراء سوى احتمال واحد من إيحاءات المعنى، فضلا عن اختلاف درجة التأثر به؛ لاختلاف الذوق الفني بين الناس.

هنا لابد أن يعصف بك الضحك، وأنت تنظر إلى قوافل الشعراء، وإلى رواد العلوم الإنسانية، وفي مقدمتهم علماء النفس والاجتماع، فيهزك العجب: كيف ضيعوا أعمارهم فيما لا معنى له؟ لماذا يحاولون الدخول إلى ضمائر الناس التي لا يمكن اقتناصها، أو فهمها، ويدعون أنهم قاموا بذلك، بنشوة من ينظر إلى كليوباترا؟ والأكثر مدعاة للضحك هو «الرأي المشترك» عند المجتمعات الحضارية، فصاحب «الوضعية المنطقية» يرى أن ذلك مجرد مهزلة.

كاتب وأديب