آخر تحديث: 5 / 5 / 2024م - 9:51 م

نرى القذى في عينِ أخينا ولا نرى الجذعَ في أعيننا!

أنا أشتري أفضلَ أنواعِ الأكل وأنتِ، أمّ العيال، يوم مالح ويوم دون ملح.. أنتَ يا رجل ما عمرك شفنا منك خيرا.. مديري في العمل زفت أسود لا يمكن العمل معه.. يا ابني أبلد منكَ لم أجد، وهكذا هو كريمٌ في الذمّ بخيلٌ في المدح. لا يعجبه العجب ولا الصِّيام في شهرِ رجب. لا يمدح زوجًا ولا صديقًا ولا مسئولاً، وإلى هنا جيِّد جدًّا، إذا كان لا يذمّ ويتذمر. أما ذلك الذي يذمّ كلَّ أحد وكلَّ شيءٍ تقريبًا فترى لسانه لا يكفّ عن الانتقاصِ والذمّ فذلك أمره عجيبٌ جدًّا!

يا عمِّي.. يا سيدي، مشِّيها على خير، غضَّ الطرفَ وجامل، الحياة أقصر من أن يضيعَ العمرُ في السلبيَّات ولا تستقيم الأمور إلا بالمجاملة الجميلة:

وَمَنْ لَمْ يُصَانِعْ في أُمُورٍ كَثِيرةٍ

يُضَرَّسْ بِأَنْيَابٍ وَيُوْطَأْ بِمَنْسِمِ

مرارًا كثيرة أكون على حقّ، لكنني أعلم أنني لا أقدرَ على أن أصنعَ من النَّاسِ - كلهم - قالبًا واحدًا على مقاييسي ورغبتي، فمن الحكمة أن أفتشَ عن عيوبي وأنشغل بها عن عيوبِ غيري!

أذكر لكم حكايةً جميلة حصلت لسيِّدنا المسيح عيسى بن مريم «عليه السَّلام» حين مرَّ والحواريون على جيفةِ كلب فقالوا‏: ‏ ما أنتنَ ريحَ هذا‏ الكلب!‏ فقال‏ عيسى «عليه السَّلام»: ‏ ما أشدَّ بياضَ أسنانه‏. في هذه الحكاية رسالة من المسيح لمن لا يرون في النَّاسِ وفي الأشياء إلا الجزءَ القاتم، يعجزون عن النَّظر إلى إشراقةِ الضوء أيًّا كان مصدرها. وهو - المسيح - يقول: لا تنظروا في عيوبِ النَّاسِ كالأرباب، وانظروا في عيوبهم كهيئةِ عبيدِ النَّاس.

لو علمَ من يديم النَّظر في عيبِ غيره ماذا ورد عن النبيّ محمد «صلى الله عليهِ وآله وسلم» في النَّهي عن تلك الخصلة الذميمة ما عاد لها أبدا. قال رسولُ الله ﷺ: ثلاثُ خصال من كنَّ فيه أو واحدة منهن كان في ظلِّ عرش الله عز وجل [يوم القيامة] يوم لا ظلَّ إلا ظله:... رجل لم يعب أخاه المسلم بعيبٍ حتى ينفي ذلك العيبَ من نفسه، فإنه لا ينفي منها عيبًا إلا بدا له عيب، وكفى بالمرءِ شغلًا بنفسه عن النَّاس.

﴿أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ، وإن كان الاستنكار موجهًا إلى بني إسرائيل فإنَّ له حتمًا مفهوم واسع يشمل الآخرينَ أيضا!

مستشار أعلى هندسة بترول