آخر تحديث: 5 / 5 / 2024م - 9:51 م

إلى الأصدقاءِ الذين قبلونا على عَلَّاتنا!

بعدما تبلغون من العمرِ ما شاءَ الله - أمدَّكم الله بالعمرِ الطويل - تكتشفون أن بعضَ الأصدقاء أعطوكم أكثرَ ممَّا أخذوا منكم، يسعونَ في مصلحتكم ومنفعتكم، ولا يسعون إلى منفعةِ أنفسهم. دخلَ أصدقاءٌ كثيرون وخرجوا من حياتكم، إلا هؤلاء الثُلَّة هم باقون معمرون لا يخرجون أبدًا!

أنا جدّ ممتن لكلِّ الأصدقاءِ الذين عرفتهم وخرجوا من حياتي، لكنني ممتنٌّ أكثر بكثير لمن بقوا على الحلوةِ والمرَّة، هم يزداون غلاوةً ومعزَّة ومحبَّة يومًا بعد يوم وسنةً بعد سنة. الحياةُ تُفزع وتُخيف دونَ أصدقاء يضيئون ظلامها الدَّامس.

كأني أسمعكم تقولون: لا يوجد كثير من هذا الصّنف من البشر في هذا الزَّمان! أنتم على حقّ، ومتى وجدوا بكثرة في أيّ زمان؟ هذا الزَّمان والذي قبله وما بعده، ومتى كانت سبائك الذَّهب الخالص رخيصةً لكثرتها؟!

من لا صديقَ له لا ذخرَ له..الصَّديق أقرب الأقارب.. الأصدقاء نفسٌ واحدة في جسومٍ متفرقة، أوصاف جميلة قالها الإمامُ عليّ عليه السَّلام في الأصدقاءِ الطيبين. فهل لي أن أسألكم: كم عندكم من صديقٍ تجدون فيه هذه الأوصاف أو بعضها؟ ضعفاء يسندونكم، محتاجون يقرضونكم، وفي الضَّعف والحاجة لا يخذلونكم؟ إذا كان عندكم الكثير منهم، يجب أن تكونوا مدينون لهم بحسنِ الصحبة!

أصدقاء قبلونا بعيوبنا وبمزايانَا، سعوا إلى تغييرنا إلى ما هو أفضل وأرقى، بصَّرونا عيوبنا، وتحملونَا عن طيبِ قلب وفي طولِ بال! أنا عارفٌ أن كلماتي قليلة، أقول لهم: أنا ممتنٌّ جدًّا لكم أيها الأصدقاء الذين تغير الزَّمان ولم تتغيروا. أنا ممتنٌّ لكم أن وجدتم في صحبتي ما يستحق وقتكم وتضحيتكم من أجلها.

أقتبس لكم من وصايا الإمام عليّ بن الحسين عليه السَّلام في حقِّ الصَّاحب: ”وأمَّا حقّ الصَّاحب، فأن تصحبه بالفضل ما وجدتَ إليه سبيلاً، وإلاَّ فلا أقلَّ من الإنصاف، وأن تُكرمه كما يُكرمك، وتحفظه كما يحفظك، ولا يسبقك فيما بينك وبينه إلى مكرمة، فإن سبقَك كافأته، ولا تقصر به عمَّا يستحق من المودَّة. تُلزم نفسَك نصيحتَهُ وحياطتَهُ ومعاضدتَهُ على طاعةِ ربِّه، ومعونتَهُ على نفسه فيما لا يهمُّ به من معصية ربِّه، ثم تكون عليه رحمةً ولا تكون عليه عذابًا، ولا قوَّة إلَّا بالله“.

نقوا أصدقائكم واختاروهم بعنايةٍ فائقة، وإلا راحة الوحدة أفضل من الصَّديق المُقرِف. يقول النبيّ سليمان «عليه السَّلام»: لا تحكموا على رجلٍ بشيء حتى تنظروا إلى من يصاحب، فإنما يُعرف الرَّجل بأشكاله وأقرانه. أما رسول الله «صلى اللهُ عليهِ وآله» فيوصي: المرءُ على دينِ خليله، فلينظر أحدكم من يخالل.

مستشار أعلى هندسة بترول