آخر تحديث: 29 / 4 / 2024م - 1:36 م

السيدة أم جنيب

جلال عبد الناصر *

في أحد الأيام كانت السماء توحي بهطول المطر. والريح تحمل معها موجة برد قارسة. حينها كنت مع مجموعة من الزملاء في رحلة استكشاف للطبيعة. فأخذنا الحماس وشكلنا سلسة بشرية، وانطلقنا نزحف بين الصخور. ولأن الأجواء شتوية فالزواحف والقوارض تختبئ كما هي العادة. فلم يخطر ببال أحد منا أن تكسر قواعد الطبيعة.

وبينما كنا نزحف ونحمي رؤوسنا خوفا من الاصطدام بسقف الممر المنخفض. صرخ أحدهم قائلا ”أم جنيب... أم جنيب“... وفجأة تحول ذلك الممر الضيف لعاصفة من الصراخ. وثار الغبار بفعل الحركة العشوائية. وقفت حينها متجمدا ومتسائلا ما الذي يجري... ومن تكون ”أم جنيب“؟ وتحول جمودي لحالة من الرعب. وبدأ الجميع بالتراجع بطريقة مجنونة في ذلك النفق الضيق. وبعد أن خرج الجميع وانتظرنا طويلا حتى خرج قائد الرحلة حاملا بيده ”أم جنيب“. حينها تعرفت عليها عن قرب... ”أم جنيب“ ثعبان قبيح رملي اللون وتسمى أيضا بالحية المقرنة نسبة للقرون على رأسها. وكان يبلغ طوله متر ونصف تقريبا. وبالرغم من القضاء عليها وتغيير الموقع تماما، إلا أنها بقيت عالقة ذهني طوال الرحلة، خصوصا بأن قائد الرحلة حملها معها في حقيبته.

ومن المعروف بأن الثعبان يمتاز بالمكر والخداع. و”السم“ هو أول ما يتبادر لأذهاننا عند نسمع أو نشاهد الثعبان. وهناك بعض البشر كما الثعبان أو كما ”أم جنيب“. ففي أحد المرات رن هاتف جوالي وإذا بصوت فتاة تطلب استشارة أسرية. وعلى الفور قمت بترتيب موعد في مركز استشارات أسرية. ومن الوهلة الأولى لمشاهدتي لتلك الفتاة، أدركت على الفور بأنها معنفة من الدرجة الأولى. وخلال الجلسة أجهشت بالبكاء عشرون مرة. حيث أخبرتني بأنها تعرضت للضرب بالعصا والجلد بالحزام، والإهانات والابتزاز العاطفي المستمر. وكلما لاحظت مدى تعاطفي معها زادت من جرعة الدراما. وما ان انتهت الجلسة ورحلت، حتى هممت اجمع حطام قلبي من هول التراجيديا التي شاهدتها أمامي. حيث كانت تتحدث مستخدمة ألفاظ متنوعة لوصف الألم. وتضع بين العبارات فاصل من البكاء، راسمة على وجهها علامات تخلق خلالها عنصر المفاجأة للمشهد القادم، كما لو كان فيلم سينمائي. حيث كانت تقفز باحثة عن المنديل لتمسح دموعها. ثم تسكت لتبدأ تدور برأسها ذات اليمين واليسار باحثة عن الماء. وما أصعب اللحظات حينما كانت تضرب ركبتيها بكلتا يديها. لقد كانت جلسة غسيل مخ «لي» وبامتياز. لقد استخدمت تلك السيدة كل الحيل التي تمتاز بها ”أم جنيب“. حينها لو كنت قاضي لحكمت على زوجها بقطع رأسه بعد أن يشنق بل يصلب أيضا.

لم تكن تلك السيدة شخصية مضطربة، بل كانت شخصية سوية تماما. إلا أنها كانت تحيك مؤامرة عظمى. فبعض البشر لهم ما للحيوانات من صفات. فمنهم وفي كالكلب ومنهم ناكر للمعروف كالقط. ومنهم خبيث وكاذب ك ”أم جنيب“ لها القدرة أن تمزق شمل العائلة. وتنشر زعافها لسنين طوال.

اختصاصي نفسي في مجمع إرادة للصحة النفسية بالدمام