آخر تحديث: 5 / 5 / 2024م - 6:10 م

86400

يبدو الرَّقم 86400 رقمًا كبيرًا وهو عدد الثَّواني في يومٍ واحد. لكن كم يُستهلك منه في توافه المراسلات الحديثة؟ أفترض أنه في الحدّ الأدنى تصلني عشرة مقاطع في اليوم والليلة من النَّوع الرديء الذي لا أعرف أنه يستحق المشاهدة أو القراءة أم لا إلا في نهايته، بذلك أكون اقتطعتُ من الرَّقم 1800 ثانية!

تستغربون وتقولون هذه حسابات غبيَّة؟ لكن هذا عمرنا يقتطع منه أجزاء كبيرة كل ساعة بين رسالة وبين مقطع هابط تستحي أن تقول لمن يرسله لا تعاود الكرَّة خوفًا على مشاعره. أحيانًا أشعر بأننا أخذنا شيئًا جميلًا مثل سيفٍ مصقول وحولناه إلى حديدةٍ صدئة لا تنفع، هكذا فعلنا بهذه الوسائطِ الحديثة!

غيرنا يستخدم هذه الوسائط في التِّجارة، البيع والشِّراء، والثَّقافة والدِّين والتواصل. ونحن نستخدمها في تقطيع الوقت، وكأنما الوقت يمر لدينا ببطء وعندنا الكثير منه الذي يستحق الهدرَ والضياع.

نصيحتي لمن أحب ويسمعها مني: إذا كنتَ ممن لديهم الوقت والعمر الطويل الذي لا يملكه غيرك، لا تهدر عمرَ غيرك القصير! ثم ”كن على عمركَ أشحّ منك على درهمكَ ودينارك“. نصيحة تمنيتُ أن أحتفظَ بها في سرّ قلبي، لكن كلما تذوقت طعم بعض المقاطع والرَّسائل ولم أجد لها طعمًا، أحسستُ أن جزءًا من عمري يذهب سدى ودون اختياري!

الفكاهة طيِّبة ومؤنسة - في بعض الأوقات - لكن لا تقبلوا أن يُسلب منكم هذا العمر الثمين ويسرق منه الكثير في فكاهةٍ ساذجة وغبيَّة!

من أجمل ما قرأت في الحسرة على الوقت والحثّ على تنظيمه، ويعنينا بشكلٍ خاص في هذا الزَّمان، كلام النبيّ محمد «صلى اللهُ عليهِ وآله» الذي يقول: يفتح للعبدِ يوم القيامة على كلِّ يومٍ من أيام عمره أربعة وعشرون خزانة عدد ساعاتِ الليل والنَّهار، فخزانة يجدها مملوءة نورًا وسرورًا فيناله عند مشاهدتها من الفرحِ والسرور ما لو وزع على أهلِ النَّار لأدهشهم عن الإحساس بألمِ النار، وهي السَّاعة التي أطاعَ فيها ربه، ثم يفتح له خزانة أخرى فيراها مظلمة منتنة مفزعة فيناله عند مشاهدتها من الفزعِ والجزع ما لو قسم على أهل الجنَّة لنغص عليهم نعيمها، وهي السَّاعة التي عصى فيها ربه، ثم يفتح له خزانة أخرى فيراها فارغة ليس فيها ما يسره ولا ما يسوؤه، وهي السَّاعة التي نامَ فيها أو اشتغل فيها بشئ من مباحاتِ الدنيا، فيناله من الغبنِ والأسف على فواتها - حيث كان متمكنًا من أن يملاها حسنات - ما لا يوصف، ومن هذا قوله تعالى: «ذلك يوم التغابن».

مستشار أعلى هندسة بترول