آخر تحديث: 5 / 5 / 2024م - 3:24 م

لو كنت شاعرًا إذًا لكتبتُ في الحسينِ كلَّ قصائدي!

لي محاولات في كتابة الشعر في السَّنوات التي كنتُ أقيم في الصَّحراء أو البحر مددًا طويلة من أجلِ العمل في حقول النفط. ذات مرَّة، تأثرتُ كثيرًا بموقفٍ مؤلم وكتبت قصيدةً، اعتقدت أنها جيِّدة جدًّا، فعرضتها على أحد الأصدقاء، من الشعراءِ الكبار، وبعد أن قرأها قال لي: هذه ليست قصيدة ولا تستحق التعب! بعد هذه الحادثة تيقنتُ أنه ليس لي في الشِّعر نصيب سوى القراءة والحفظ والتذوق.

أما حكاية الشَّاعر، الكميت بن زيد الأسدي، فيحكى أنه لما قال الشِّعر كان أول ما قال «الهاشميَّات» فسترها، ثم أتى الفرزدق بن غالب فقال له: يا أبا فراس إنك شيخُ مضر وشاعرها وأنا ابن أخيك الكميت بن زيد الأسدي. قال له: صدقتَ أنتَ ابن أخي، فما حاجتك؟ قال: نفثَ على لساني فقلت شعرًا فأحببت أن أعرضه عليك فإن كان حسنًا أمرتني بإذاعته، وإن كان قبيحًا أمرتني بستره وكنتَ أولى من ستره عليّ. فقال له الفرزدق: أمَّا عقلك فحسن وإني لأرجو أن يكون شعرك على قدرِ عقلك، فأنشدني ما قلت فأنشده:

طربتُ وما شوقًا إلى البِيضِ أطربُ.

قال فقال لي: فيم تطرب يا ابنَ أخي؟! فقال:

ولا لعبًا مني * وذو الشيبِ يلعبُ؟!

فقال: بلى يا بنَ أخي؟ فالعب فإنك في أوانِ اللعب. فقال:

ولم يلهني دارٌ ولا رسمُ منزلٍ * ولم يتطربني بنانٌ مخضبُ

فقال: ما يطربكَ يا بنَ أخي؟! فقال:

ولا السَّانحاتُ البارحاتُ عشيَّةً * أمرَّ سليمُ القرنِ أم مرَّ أغضبُ

فقال: أجل لا تتطير. فقال:

ولكن إلى أهلِ الفضائلِ والتقى * وخيرِ بني حوَّاء والخير يطلبُ

فقال: ومن هؤلاء؟! ويحك. قال:

إلى النَّفرِ البِيضِ الذين بحبِّهم * إلى الله فيما نابني أتقربُ

قال: أرحني ويحكَ من هؤلاء؟! قال:

بني هاشمٍ رهطُ النبيِّ فإنني * بهم ولهم أرضى مرارًا وأغضبُ

خفضتُ لهم مني جناحي مودَّةٍ * إلى كنفٍ عطفاهُ أهلٌ ومرحبُ

وكنتُ لهم من هؤلاءِ وهؤلاء * محبًّا على أني أُذمُّ وأُغضبُ

وأُرمى وأَرمي بالعدواةِ أهلها * وإنِّي لأُوذى فيهم وأُؤَنَّبُ

فقال له الفرزدق: يا بنَ أخي؟ أذع ثم أذع فأنتَ والله أشعر من مضى وأشعر من بقي.

أكتبُ في الحسينِ عليه السَّلام كلَّ قصائدي لأنه ساحة ومساحة ليس لها حدّ، يولد في كلِّ يوم مع أن ميلاده في الثَّالث من شعبان، ويستشهد في كلِّ يوم مع أن يوم شهادته العاشر من محرم! فلماذا أكتب في غزلِ سلمى وليلى، وكيت وكيت من الذي لا ينفع، وفي الحسينِ عليه السَّلام ما يكفي وزيادة؟!

مستشار أعلى هندسة بترول