آخر تحديث: 5 / 5 / 2024م - 7:57 م

كل ماضٍ جميل حتى زمن كورونا!

لا يعدم الماضي من دروسٍ جيِّدة وذكرياتٍ جميلة، حتى سنوات كورونا كان فيها من الجمالِ ما يجعلنا نتسامح معها كما تسامحنا مع سنواتٍ قبلها، كانَ فيها ما كانَ من تعبٍ ومعاناة. وربَّما يأتي يومٌ تكون فيه هذه ذكريات كورونا أكثر جمالًا من غيرها! من عاشَ ستين سنةً - أنا وأصدقائي - لا بدَّ أنه رأى حياةً قاسيةً مثل الصخور في كلِّ شيء، المسكن والنقل والغذاء والدواء. ومع صعوبتها ها نحن نتوق ونحنّ لها حنينَ الفصيلِ إلى محالبِ أمِّه قبل الفِطام.

ألا ترون أنَّ من طبيعتنا تذكر الماضي بلذَّّة وحسرة معًا؟ البيت القديم والحارة والأصدقاء، ثم سنوات الشَّباب والمدرسة! يبقى كل زمنٍ ماضٍ جميل لأنه لم يعد مجهولًا، فنحن عبرناه بسلام. أما المستقبل فهو الزَّمن الذي نخاف ونتهيب منه، كله غيبٌ حتى يصبح في الحاضر أو الماضي.

لا أدري كيف أحكيها وأفلسفها لكم، لكن في نظري ذكريات ما بعد منتصف العمر تبدو أشهى وأثمن، ذلك لأن ما بقيَ من العمر - إلَّا ما شاءَ ربِّي - أقل مما ذهبَ منه! أما هذه المرحلة - الجائحة - طالت أم قصرت سوف تنتهي ويبدو أن موتها باتَ قريبًا. بعد ذلك يكون من دواعي سروري - وليكن من دواعي سروركم أيضًا - أن نجترَّ هذه الذكريات ونخبر عنها أحفادنا الصِّغار عندما يكبرون. حتمًا يجدون فيها كثيرًا من الطرافةِ والفكاهة، على أنها في حينها كانت أمرّ من العلقم! تمامًا، مثلما كان آباؤنا يقصّون علينا من ذكرياتِ أيَّامهم وتقلبات زمانهم في القرنِ المنصرم، كنا منبهرين بها وهي في الحقيقة كانت أيَّام تعبٍ وشقاء!

إنَّ أمرًا واحدًا ينغص ذكريات ما بعد منتصفِ العمر، وهو أن ترى ذلك الجسد الغضّ يشيخ ويكبر وبسرعة! مهما اعتنيت به، تظهر الآلام وتشعر أنه ليس جسدك الذي عرفته وعشتَ فيه أيَّامَ شبابك!

الحنين والشَّوق إلى الماضي، لا يجوز أن يسرقَ منا التطلع والتخطيط للمستقبل، أو الانشغال عن الحاضر. دروس اقتصاديَّة، اجتماعية، شخصيَّة، عالميَّة كانت أم محليَّة استفدناها، وكانت حكاية ”الضربة التي لا تقتل الإنسان تقويه“، لم لا نجعلها تقوينا؟ الماضي انتهى ولن يعود مهما مدحناه، والمستقبل علمه عندَ الله. إذًا فليس إلا الاستفادة من دروس الماضي من أجل تحسين العيش في الحاضر، والتخطيط الجيِّد للمستقبل:

ما مضى فاتَ والمؤمَّل غيبٌ * ولك السَّاعة التي أنتَ فيها

تبقى الأمنيات أن لا نرى حدثًا مثل هذا الحدث، ولعل تجربته كان فيها خير للعالم؟ مع أن البشر خطاؤون ويعيدون تكرار الأخطاء ذاتها مرَّة واثنتين وأكثر!

مستشار أعلى هندسة بترول