آخر تحديث: 15 / 5 / 2024م - 6:12 ص

النهضة الحسينية ثقافة وسلوك

هل التأمل المعرفي لواقعة الطف والأهداف العاشورائية يختزل في تفاصيل ومسار الواقعة والبواعث المحركة للموقف الحسيني الباسل، أم أن عاشوراء ثقافة ومنهج ينعكس ظلالها على واقعنا في جميع الاتجاهات والأصعدة، بحيث يكون موضع تأس واقتداء وتطبيق على أرض الواقع ليتحقق مفهوم السير على النهج الحسيني، وبخلاف ذلك يكون فهمنا قاصرا ومجانبا لما أراده السبط الشهيد من تشييد ثقافة الحقوق والعدالة والإرادة في مواجهة الواقع المغلوط؟

لكل أولئك المتسائلين عن جدوى إحياء واقعة الطف المتجددة في تغيير واقعنا، والذين يطرحون بأن الإحياء يقتصر على جانب المواساة للرسول الأعظم وأهل بيته بما جرى من جرم عظيم على الإمام الحسين ، فنجيبهم بأن واقعة الطف ثقافة ومنهج ومصباح هدى وومض فكري وسلوكي يحيي روح الفضيلة ومكارم الأخلاق للفرد ويأخذ بيده للتكامل الروحي والنفسي، فكربلاء نبع ينساب في مجراها المعين فيستقي من عذبها كل واحد بقدر انسجامه وتشرب نفسه للأهداف الحسينية وما تحمله من قيم.

فالمنبر الحسيني اليوم يمثل مدرسة جامعة باسم الحسين الشهيد يبث من خلالها دروس التوعية، وتهدف لتنضيج الفكر والسلوك وصولا لحالة الرشد في العقل والاستقامة في التعاملات والعلاقات، وهذا ما يستوجب النظر للقضية الحسينية بقدر ما تحمله من مضامين عالية تتطلب الاستعداد والتهيؤ لحلول عاشوراء، فالمحطة العاشورائية اختبار وتمحيص ينتهي موسمها الزمني - لا الفعلي فهي خالدة - لينقسم المحيون لهذه المناسبة الأليمة بين فائز قد ربح الثواب العظيم لسعيه المخلص، وبين محي لها ولكنه خالي الوفاض من منهجها الفكري والسلوكي، فما استفاد من الدروس القرآنية والعقائدية والاجتماعية والثقافية التي ألقيت من خلال تلك المنابر الفاعلة، وهناك من نأى بنفسه عن سفينة الحسين طالبا النجاة في معترك الحياة وأمواجها المتلاطمة من الحياة المادية أو اللهوية والاقتصار عليها.

النهضة الحسينية ثقافة وسلوك يتلقاها المؤمنون لتنير لهم دروب الحياة وتنبههم للمخاطر الناجمة من اتباع النفس الأمارة بالسوء والشهوات، كما تولد وتقوي البصيرة والفهم للواقع والأحداث وتجنبنا المسير الأعمى المهلك، فمن نظر في الخطابات الحسينية منذ خروج الإمام الحسين من مدينة جده المصطفى ﷺ وما بعدها، يجد توصيفا وتحليلا دقيقا لواقع الناس وما هو المأمول منهم في مسار التوافق أو الامتناع والتخاذل عن الأهداف الحسينية، وهو بحث مهم في فهم النفس البشرية ومساربها وعوامل تقواها وشقاها؛ ليجد بعدها المرء نفسه من حركة الإصلاح المهدوي فيكون من عناصر النصرة والتأييد، أم أنه سيكون بعيدا - كل البعد - عنها بسبب انغماسه في الشهوات وحب الدنيا، مما أثر على فكره فأصبغه التبلد والسطحية.

الإمام الحسين حركته حملت أبعادا مشرقة في المسيرة الإنسانية الغراء، ومنها بعد تهذيب النفس لتشرق منها المواقف المؤيدة للحق والفضيلة وإلا فإن فاقد الشيء لا يعطيه، فلا يمكن المطالبة بالإصلاح المجتمعي ونحن نعيش فسادا وانحرافا ذاتيا.

الإمام الحسين حمل لواء العدالة واحترام النفس الإنسا