آخر تحديث: 3 / 5 / 2024م - 5:45 م

دروس في السعادة

السعادة مفهوم واسع عميق حاول الكثير سبر غورها، وقد اشار البعض انها تعني الشعور بالبهجة والطمأنينة والبعض الاخر قال ان الشعور النابع من القيام بالانجازات هو احد مصاديق السعادة وهو جزء منها.

وأما مفهوم السعادة عند أفلاطون يمكن أن يكون أول مفهوم كامل فالسعادة بنظر أفلاطون ”يجب أن تقوم على نوع معين من التناغم والانسجام بين الرغبات والأهداف في حالة تعددها“ ويعد أفلاطون السعادة هي الخير الأسمى؛ حيث تقوم على تنظيم منسجم لكل الأشياء الماثلة في الحياة المعتادة؛ وهو ما يمكِّن الشخص من القيام بدوره في الحياة. [1] 

أما أرسطو فيعرف السعادة وفقا لفضيلتها وإذا كان هناك أكثر من فضيلة للنفس؛ فإنه يكون وفقا لأعظم فضائلها وأكثرها كمالا، وهو يعتقد ”بأن السعادة هي اللذة أو على الأقل أنها تكون مرتبطة ارتباطا وثيقا بها - أي اللذة - واللذة بدورها يتم تفسيرها باعتبارها غيابا واعيا للألم والإزعاج“ وهو يحصر الفضيلة ”بالتفكير الفلسفي أو التأمل. ويصل إلى نتيجة مؤداها أن الحياة الأكثر سعادة هي الحياة المكرسة لهذا النشاط العقلي. وبذلك فإن التأمل يصبح بمنزلة غاية أو هدف غالب على الحياة السعيدة“. [2] 

ويذكر مؤلف كتاب ”دروس في السعادة“ الخبير الاقتصادي ريتشارد أ. إيسترلين. [3] 

عدة أمور مهمة تساعد في تحقيق السعادة وذلك في طيات كتابه ”دروس في السعادة“

نقف على البعض منها لنشتق منها الفائدة:

- يقول: ينتهي المطاف بالكثير من الناس بشراء منزل أكبر من حاجتهم وسيارة «أو سيارات» فخمة لاستعراض ثروتهم.

النتيجة هي تحميل أنفسهم عبئًا، بوجود دين عملاق وضغط سداد ديون ضخمة شهرا إثر شهر.

من الصعب للغاية الاستمتاع بسيارة البي إم دبليو إذا كنت بالكاد تتحمل تكلفة الوقود اللازم لقيادتها.

لأن المدخول يتجه نحو الأعلى خلال سن العمل، فإنك قد تعتقد أن الناس سيصبحون راضين على نحو متزايد عن وضعهم الاقتصادي. مع ذلك، هناك في الواقع تغير ضئيل للغاية في الرضى المالي عبر كل أعوام العمل الرئيسة، بسبب عبء سداد الدين المحدث بالتضاعف الدائم لقائمة الأشياء التي نرغب فيها.

لا يتحسن الرضى المالي على نحو ملحوظ قبل أن يصبح الناس في أعوام تقاعدهم، بمداخيل مستقرة أو حتى متناقصة.

لقد أتم الأولاد المدرسة وباتوا ينفقون على أنفسهم بشكل رئيس.

تتناقص التطلعات المادية بينما تتقلص الاحتياجات خلال ما يدعى الأعوام الذهبية.

ثم يقول الكاتب: بوسعنا زيادة السعادة بالتركيز على احتياجاتنا الحقيقة وتجنب الدين غير الضروري

- يقول الكاتب إن إلغاء المقارنة الاجتماعية أسهل قولاً منه فعلاً. على سبيل المثال، يقول: أنا أقطن منزلاً ظريفاً للغاية. وقد دُعي من قبل أحد مدربين كرة القدم في احدى المرات إلى منزله لحضور حفل يجمع اللاعبين، يقول: تبين انه منزل فخم للغاية، وعلي الاعتراف أنه عندما عدت إلى منزلي، كان سروري به قد تقلص بعض الشيء.

وهنا يستشهد الكاتب بكلمة لكارل ماركس: "قد يكون المنزل كبيراً أو صغيراً؛ طالما ان المنازل المجاورة صغيرة كذلك فإنه يلبي جميع المتطلبات الاجتماعية للمسكن.

لكن إذا ما انتصب قصراً إلى جوار المنزل الصغير، فإن المنزل الصغير سينكمش إلى كوخ".

ثم يذكر الكاتب تنبيه مهم للغاية:

من الحري بي ان أكون أكثر دراية من أنغمس في المقارنة الاجتماعية، غير انه من الصعب كسر العادة. مع ذلك، إنه بلا ريب أمر يستحق المجهود.

وما ذكره الكاتب مصداق ايضا للمثل المعروف للشاعر العباسي سلم بن عمرو: "من راقب الناس مات همًا. [4] 

وعندما نرجع للشارع المقدس نرى انه اشار لذلك من خلال التحلي بالقناعة

- جاء عن الإمام الصادق : اقنع بما قسم الله لك ولا تنظر إلى ما عند غيرك ولا تتمن ما لست نائله، فإنه من قنع شبع ومن لم يقنع لم يشبع، وخذ حظك من آخرتك. [5] 

- وعنه - وكان يقول -: ابن آدم، إن كنت تريد من الدنيا ما يكفيك فإن أيسر ما فيها يكفيك، وإن كنت إنما تريد ما لا يكفيك فإن كل ما فيها لا يكفيك. [6] .

- وعن الإمام الصادق - لما شكى إليه رجل أنه يطلب فيصيب ولا يقنع، وتنازعه نفسه إلى ما هو أكثر منه وقال: علمني شيئا أنتفع به -: إن كان ما يكفيك لا يغنيك فأدنى ما فيها يغنيك، وإن كان ما يكفيك لا يغنيك فكل ما فيها لا يغنيك. [7] .

- وعنه : إن فيما نزل به الوحي من السماء: لو أن لابن آدم واديين يسيلان ذهبا وفضة لابتغى إليهما ثالثا!.

يا بن آدم، إنما بطنك بحر من البحور وواد من الأودية لا يملأه شئ إلا التراب. [8] 

- وعنه : انظر إلى من هو دونك في المقدرة ولا تنظر إلى من هو فوقك في المقدرة، فإن ذلك أقنع لك بما قسم لك. [9] 

- أوحى الله تعالى إلى داود : وضعت الغنى في القناعة وهم يطلبونه في كثرة المال فلا يجدونه. [10] 

 

[1]  مفهوم السعادة.. رحلة في أروقة التاريخ والفلسفة - https://cutt.ly/B2oEE8H

[2]  نفس المصدر السابق.

[3]  ريتشارد أ. إيسترلين: هو أستاذ جامعي فخري في الاقتصاد، في جامعة جنوب كاليفورنيا. عضو في الأكاديمية الوطنية للعلوم، وزميل متميز في الرابطة الاقتصادية الأميركية، وهو زميل في الأكاديمية الأميركية للفنون والعلوم، وجمعية الاقتصاد القياسي، ومعهد دراسة العمل «IZA»، وهو الرئيس السابق لجمعية السكان الأميركية، ورابطة التاريخ الاقتصادي، وجمعية ويسترين الاقتصادية الدولية، وهو مؤلف. لأعمال أخرى، غير السعادة، النمو ودورة الحياة «2010»، الاقتصادي المتردد «2004»، انتصار النمو القرن الحادي والعشرون من منظور تاريخي «1996»، الولادة والثروة تأثير الأرقام على الرفاهية الشخصية «1980: الطبعة الثانية. 1987»، ومحرر السعادة في الاقتصاد «2002».

[4]  شاعر من العصر العباسي يُدعى ”سلم بن عمرو“، وهو مولود في البصرة، وورد المثل في واحد من أبيات شعره، والذي قال فيه: ”من راقب الناس مات همًّا وفاز باللذة الجسور“.

[5]  ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج 3

[6]  نفس المصدر

[7]  نفس المصدر

[8]  نفس المصدر

[9]  نفس المصدر

[10]  نفس المصدر