آخر تحديث: 29 / 4 / 2024م - 5:05 م

الإلحاد والشعور بالوحدة النفسية

جلال عبد الناصر *

فوق التراب دموع عين باكية... وعلى الطريق رأيت كل حكايتي. في هذه الابيات يصف الشاعر فاروق جويدة شعور الوحدة النفسية، وكيف أنه كان يرى صفحات من كراس حياته على الممر الذي كان يسير عليه والذي قد امتلأ بالدموع. فكثيرة هي تلك الأبيات التي تصور لنا قصص الغرام حيث تنافس الشعراء في التعبير عن مشاعرهم، كما الرسامين الذين حولوا حالة الحب من جزء غير مرئي إلى لوحة فنية تتزين بمختلف الألوان. هذا عن الحب ولكن ماذا عن الشعور بالوحدة؟!... الشعور القاتل الذي وصفه فاروق جودة وصوره فان جوخ؟!...

الانسان كائن اجتماعي بطبيعته، أي يميل إلى تكوين جماعات والانتماء لها حيث أن شعوره بالتوافق معهم من الناحية الدينية واللغوية، وأسلوب الحياة المشترك معهم يشعره بالراحة النفسية. ولكن هناك حالات يكون فيها الانسان اجتماعي إلى أقصى حد، وعلى العكس قد يكون انطوائي ومنعزل إلى اقصى حد أيضا. وقد نجد آخر يجمع بين الاثنين أي إنه بالرغم من كثرة معارفه وعمق علاقاته الاجتماعية إلا أنه مازال يشعر بالانطواء والعزلة. وهنا نموذج نفسي يصف مشاعر الوحدة النفسية... ”اشعر أني اعيش بعيداً عن أسرتي وأخوتي... أمر أحياناً بلحظات أشعر فيها بأنه لا أحد يهتم لرأيي.... ويراودني شعور بأنهم يجاملونني.. وهذا ما يجعلني أرفض الكثير من الدعوات التي تقدم لي... بحثت كثيرا عن أشخاص لا أشعر معهم ببعد المسافة.. أي يرغبون بقضاء الوقت معي ويبحثون عني في غيابي... وطالما أجدهم... سرعان ما أشعر بأني أرغب أن أكون وحيدا... إنها سلسلة من المشاعر المؤلمة التي سوف لن تنتهي“. وقد عرف أحد الباحثين الوحدة النفسية بأنها: إحساس الفرد بوجود فجوة نفسية بينة وبين المحيطين به نتيجة افتقاده لإمكانية الانخراط أو الدخول في علاقات مشبعة. إضافة إلى شعوره بالإهمال، وعدم التقبل مما يؤدي به إلى الشعور بالوحدة والانزواء.

تشير كتب علم النفس إلى أن هناك نوعين من الوحدة النفسية وهما: الوحدة النفسية العاطفية، والوحدة النفسية الاجتماعية. وتشير نظرية التحليل النفسي إلى أن الشعور بالوحدة هو ناتج عن عدم قدرة الانسان على التوافق مع بيئته، وبالتالي يشعر بالخطر والتهديد. فيلجأ إلى الوحدة كشعور دفاعي يحميه من الخطر الناشئ من البيئة الاجتماعية. ولكن حالما يشعر الإنسان بتبعات الوحدة النفسية التي تظهر على شكل قلق واكتئاب والتفكير بالانتحار، يلجأ هنا إلى فطرة التدين كوسيلة دفاعية أخرى، أي يلجأ إلى ربه حيث يطلب منه المغفرة والسكينة، وعند إحساس الانسان بنوع من التغير الايجابي يزداد التقرب إلى الله. وهنا إما أن يحافظ الانسان على التغير الايجابي، أو أن تحدث انتكاسة، والانتكاسة هنا ليست بالأمر السهل. فقد يعتقد البعض بأن التبعات للانتكاسة أمر مبالغ فيه رغم أنها قد توصل الإنسان للانتحار أو قد تأخذه إلى طريق آخر وهو الإلحاد.

المدخل للوحدة النفسية هو عدم إحساس الانسان بكفاءته المجتمعية وشعوره بعدم رغبة المجتمع فيه. والاجراء هو ان يتولد لديه الشعور بالوحدة النفسية كي يحمي نفسه من شعور الرفض. وقد يصل به الامر إلى الاغتراب النفسي كما عبر عنه ”البير كامو“ ثم يصطدم بالعدمية أو عدمية المعنى ثم قد يلجأ لعلاجها بالتدين. وعندما يخفق عامل الدين في اخراجه من هذه المتاهة قد تكون المخرجات كثيرة ومن ضمنها الالحاد.

اختصاصي نفسي في مجمع إرادة للصحة النفسية بالدمام