آخر تحديث: 28 / 4 / 2024م - 10:41 م

ثقافة الجمود الفكري

زكريا أبو سرير

طالعت خلال هذه الأيام مقالا يحمل عنوان ”ثقافة العيب“ للكاتب الدكتور توفيق آل سيف في صحيفة الشرق الأوسط بتاريخ 12/4/2023، وكان يتضمن فكرة مفادها عدم القدرة على مواجهة هذه الثقافة، أي العيب، التي تعبر عن انهزامية فكرية وسلوكية مع ما تحمله هذه الجماعة من هاجس الخوف بالإقرار والاعتراف بالأخطاء التي مرت عليها في حياتها، سواء كانت بقصد أو بدون قصد، أو حتى ولو لمجرد المرور عليها والتفكير في دراستها ومراجعتها، حتى لا تشكل لها حاجز منيع عن تقدمها وتطورها، ومنها ربما عن مواكبة سير متغيرات الحياة وهي السنة الطبيعية التي تجري على كل الأمم، وكل هذا بسبب تغلل ثقافة العيب الذي ورثنها من بيئتنا أو مورثنا الثقافي، والذي بدوره سبب لنا شلل وجمود فكري وسلوكي على كل مستوى وبعد.

وثقافة العيب شكل من أشكال ضعف الشخصية وتدني في مستوى التفكير والنضج، إذ شكلت لبعضنا سجنا نفسيا وفكريا، وهذا يقود بطبيعة الحال إلى عطل ذهني ومرض نفسي قد يصعب علاجه عند بعض الحالات أو إرجاعه إلى العجلة الاجتماعية من جديد.

في بعض المجتمعات العربية والإسلامية لم تقف عندهم ثقافة العيب عند حدود العناوين العامة التي تتصدر مواقع الهوية العربية والإسلامية فحسب، بل إنها ترسخت في شخوصنا وتحولت كجزء من هويتنا، ولا أستغرب إن وجدنا من يتفاخر بها وكأنها إنجاز علمي وثقافي وارث ينبغي المحافظة عليه أو ميزة اختصت بها هذه الأمة عن بقية الأمم.

الكاتب قدم لنا نموذجين للعبرة، وكيف أنهما استطاعا مواجهة أخطائهما عبر المراجعة والنقد الذاتي الذي نتج عن تلك الخضة تغيير في واقعهما من خلال نقدهم لذاتهم بكل شفافية واعترافهم بكل شجاعة بقراراتهم الخاطئة التي سببت لهم الإخفاق في خططهم والعار التاريخي الذي قد لا يمحى من الذاكرة البشرية، وبرغم هذا رفضوا الخنوع أو التستر وراء ثقافة العيب الذي يعلموا مدى خطورة انعكاسها الفكري على الأجيال وما سوف تخلفه من جمود وشلل كامل على الحالة الفكرية لديهم، وعلى أجيالهم اللاحقة وحرمانهم من نعمة التغيير والإصلاح، وهذا يعني توقف الحياة عندهم وشل حركتهم والحرمان من نعمة التفكير والتطلع والتطوير ومواكبة الحياة العصرية.

لهذا هم تسارعوا نحو الاعتراف بأخطائهم وبضعف قدراتهم ومراجعة كل مخططاتهم السابقة واللاحقة لأجل معالجة تلك الأخطاء، وفي نفس الوقت بعث برسالة ثقافية لأجيالهم حيال عدم الخنوع لثقافة العيب المولدة لثقافة الجمود والاستسلام لهما مهما كانت نتائجه لأن الخنوع يعني نكبة جديدة، وعلى أجيالهم نكسة الحاضر والمستقبل.

من خلال تجربة عملية قريبة حدثت معي عندما كنت أقود فريق عمل في إحدى المنشآت التجارية، غير أن هناك تجارب أخرى شبيه لها يختزلها عقلي من مكتسبات تجارب الحياة، وكان فريق العمل مكون من جنسيات مختلفة، ومنها العربية المتأثرة جدا بثقافة العيب والذي بدوره كان سببا في إرباك بيئة العمل، وهذا بطبيعة الحال نتج عنه جمود فكري وحركي برفضها التغيير والتطوير للمنشأة وبالخصوص في البيئة الذي أديرها ونتطلع لرفع إنتاجها بطرق حديثة.

عندما قرأت مقال الدكتور توفيق آل سيف ”ثقافة العيب“ استوحيت منه الفكرة التي تساعدني في تسهيل مهمتي تجاه هذه الثقافة التي تغلغلت في أعماق البعض من الموظفين، حتى أصبحت وكأنها تنتسب إلى أحد أعضاء الجسد عندهم، كما أنها كانت محاولة لاكتشاف المعطل الرئيس لتقدم خط الإنتاج من أولئك الذين يتبنون ثقافة العيب المصحوبة بثقافة الجمود عند أولئك المحسوبين على فريق العمل عندما وجدنا بأن بيئة العمل أصبحت في وضع اضطراب وغير منتظمة بسببهم.

عندها طلبت بسرعة عمل اجتماع عاجل بجميع الموظفين، وبعد اكتمال العدد طلبت منهم ولمدة عشر دقائق قرأت هذا المقال، وبعدها ندخل في صلب الموضوع مباشرة، وبعد قراءة المقال طرحت الأسئلة التالية، هل هناك أحد من الإخوة الزملاء لم يستوعب فكرة المقال وما يريد إيصاله الكاتب للقراء؟ وهل وضعنا أيدينا على المشكلة الرئيسية التي هي سبب جمود تحركنا وشل قدرتنا على تغيير واقعنا؟ وهل بإمكاننا بعد ما قرائنا هذا المقال أن يصبح عندنا القابلية على تصحيح أخطائنا ومعالجتها معالجة جذرية، حتى لا نخسر أكثر مما خسرناه في السابق، وهل نقرر بعد هذه اللحظة ترك ثقافة العيب التي تنخر فينا لأنها وبكل صراحة هي سبب اضطراب خططنا وعملنا، وقد اتخذها البعض ستارا يستر به عيوبها وعوراتها بسبب عدم تقبلها نقداً لذاتها وعدم قبول مراجعة أخطائها، مع علمنا وعلمها بأن هذه الخديعة الذاتية لا تقدمنا ولا تطورنا بل تأخرنا وتتركنا نعيش معه في تخلف يضطرنا للاستسلام له كواقع يصعب علينا في ما بعد التخلص منه حتى ولو كانت شكلت فينا وصمة عار.

في الحقيقة لا أدعي بعد الانتهاء من الاجتماع أنني حققت نجاحا يصل إلى نسبة مئة في المئة بحيث يزيل تماما رواسب تلك الثقافة البائسة، وهذه الآفة الفكرية والثقافية التي يتبناها البعض ويتخذها سلوكا ومنهجا له، ولكني أجزم أنها كشفت للجميع الستار والمعرقل الحقيقي لخطط سير العمل وخط إنتاجه، ومن هذا المنطلق قد تجاوزنا مع الفريق ما نسبته سبعين في المئة من المشكلة التي هي سبب رئيس في الإخفاق وعدم تحقيق أهدافنا وهي بالنسبة لي نسبة مرضية لو قارنتها بما كانت عليه الحالة السابقة المحملة بثقافة العيب والجمود.